وعلقت قريبا فى سنة ٩٠٢ ه بالأمر السيد السلطانى ، ومن أثر الأشراف الغرورى الترخيم الواقع فى حجر البيت الشريف عمل بأمره فى أيامه واسمه مكتوب فيه ، وفرغ من عمله عام سنة ٩١٧ ه.
ومن إنشائه : بناء سورة جدة ، فإنها كانت غير مسورة ، وكانت العربان فى أيام الفتنة تهجم على جدة وتنهبها ، وأسرت عربان ربيد ـ فى أيام الفتن ـ الخواجا محمد القارى ، وكان من أعيان التجار من أهل الاعتبار فهجموا على بيته ، وأنزلوه من السطح وأركبوه معهم على ظهر فرس ارتدفه واحد من ريند ، وأخذوه إلى أماكنهم وهو قريب عقبة السويس فى درب المدينة الشريفة ومكث عندهم أياما إلى أن اشترى نفسه منهم بثلاثين ألف دينار ذهبا فردوه إلي مكة بعد أن استوقفوا هذا القدر منه.
ونهبت جدة مرارا فى أيام الفتن التى وقعت بأرض مصر والحجاز بعد وفاة المرحوم المقدس الشريف محمد بن بركات بين أولاده ، وجرت أحوال يطول تفصيلها ، فأرسل الغورى أحد أمرائه المقدمين ، وهو الأمير حسين الكردى ، وجهز معه عسكرا من الترك والمغاربة والقلاونة فى خمسين غرابا لدفع ضرر البرتغال فى بحر الهند ، وكان مبادئ ظهورهم ، وأمره بدفع الفتن الواقعة ـ إذ ذاك ـ فى جدة ، وجعلها له إقطاعا ، فلما وصل الأمير حسين الكردى إلى جدة بنى عليها سورا فى سنة ٩١٧ ه ، وهو الباقى إلى الآن ، وكان ظلوما غشوما يسفك الدماء ، ولا يرحم من فى الأرض ليرحمه من فى السماء.
فإذا ضرب أوطاقه فى مكان أو سفر ، وحضرت أعوانه وجنوده ترتيبا خاصا لإرهاب من حضر ، ونصبوا أعوادا للشنق والصلب ، والشفكلة ، وأقام الجلادين للقتل ، والتوسبط ، والضرب والبهذلة ، فأى مسكين وقع فى يده قتله بأدنى سبب أو عذبه بالمقارع إظهارا للناموس الفرعونى المهيب ، وإخافة للخلق بالسياسة والترهيب.
كما يحكى أن الحجاج دخل بلدة فصادف إنسانا عند دخوله فمسكه ، فأمر بضربه ، فقال له : أى ذنب لى تضربنى بسببه؟ فقال : لا ذنب لك ، ولكنى أريد إرهاب أهل البلد ، فجملنى بنفسك ساعة ، فضربه خمسمائة سوط ثم أطلقه.