وكان للأمير حسين المذكور أسمطة عظيمة محدودة فى سائر الأيام ، وكان أكولا بذولا للطعام ، سمحا للمؤاكلة والإنهام ، يستومى الخروف وحده مع عدة أرغفة! ونفاس له معدة ، وكان كرديا دخيلا فى طائفة الجراكسة لا يملأ أعينهم ، ولا يعتبرونه فيما بينهم ، فأمر السلطان الغورى إبعاده عنهم حماية له منهم ، وكان محتبسا به فأعطاه بندر جدة على وجه الائتماز له ، وجهز معه عمارة ليقاتل الفرنج الذين ظهروا فى بنادر أرض الهند ، واستطرقوا إليها من بحر الظلمات من وراء حبل القمر التى هى منبع ماء النيل ، وعانوا فى أرض الهند ، ووصل أذاهم وإفسادهم إلى جزيرة العرب وبنادر اليمن ، وقصد السلطان الغورى رفع أذاهم عن المسلمين بإرسال حسين الكردى إلى جدة ، فلما أتى إلى جدة بنى سورها ، وبنى أبراجها ، وأحكمها ، وهدم كثيرا من بيوت الناس مما يقارب موضع السور لوضع الأساس ، وأخذ مجارتها ، وبنى بها السور فى شدة بأس ، واستخدم عامة الناس فى حمل الحجر والطين حتى التجار المعتبرين وسائر المتسببين ، وضيق على البنائين بحيث يحكى : أن أحدهم تأخر قليلا عن المجئ ، فلما جاء أمر أن يبنى عليه ، وبنى عليه ، واستمر قبره البناء إلى يوم الجزاء إلى غير ذلك من الظلم الشديد والجور العنيد ، وبنى السور جميعه فى دون عام من شدته ، وعشمه ، وإقدامه ، وظلمه ، واستمر حاكما بجدة إلى أن تقوى بالمال ، وقاتل وجمع خزائن من كل صنف.
فتوجه فى حدود إحدى وعشرين وتسعمائة إلى الهند فى حدود سنة ٩٢١ ه ودخل واجتمع بسلطان كجرات يومئذ وهو المرحوم المغفور السلطان خليل شاه ابن مظفر بن السلطان خليل محمود شاه الكجرانى فأكرمه وعظمه ، وأنعم عليه نعمة طائلة جزيلة ، ولما سمع الإفرنج به ارتفعوا من بنادر كجرات إلى بنادر الزكند ، وتحصنوا بقلعة متقنة محكمة لهم هناك حتى ملكهم الآن كوّة ـ بالكاف العجمية المضمومة ، والواو المشددة المفتوحة بعدها هاء ساكنة ـ يسر الله فتحها لسلطان الإسلام ، وقطع بسيفه دابر الإفرنج اللئام وكافة عباد الصليب والأصنام.
ولقد أحسن من قال :
أعباد المسيح تخاف صحبى |
|
ونحن عبيد من خلق المسيحا |