وعوضهم فى سلطنة هذه الدار جنات عدن تجرى من تحتها الأنهار ، وكان والده السلطان بايزيد خان استولى عليه مرض النفوس ، وهو أشهر مرض آل عثمان (رحمهالله تعالى) ، وضعف عن الحركة ، وترك السفر سنين متعددة ، فصار العسكر لبطرهم ، وكثرة راحتهم ، وسكونهم يتطلبون سلطانا شابا بأقوى الحركة ، كثير الأسفار ليجاهد بهم فى سبيل الله ، ويغنمون من الكفار غنائم ، ويظفرون بأنواع المغانم ورأوا أن السلطان سليم خان أجله من سائر إخوانه ، وأقوى على ذلك القوة جنانه ، وعلو شأنه ، فمالوا إليه ، ومال إليهم ، فتوجه بالعطف والحنو عليهم ، وخرج عليه والده محاربا ، وركب عليه مقاتلا ومغاضبا ، فقاتله أبوه وهزمه ، فولى هاربا ، ثم عطف على والده ثانيا ، فلما رأى ميل العسكر إليه ، واختيارهم له ، واجتماعهم عليه.
ورأى السلطان بايزيد توجه أركان الدولة والعسكر إلى السلطان سليم ، وأشار إليه وزرائه أن يفرغ عن السلطنة للسلطان سليم بقلب سليم ، وأشار إليه ، ويختار التقاعد فى إدارته فى عز وتعظيم ، وأبرموا عليه فى ذلك ، فما رأى بدا من إجابتهم إلى ما سألوا ، وموافقتهم إلى ما طلبوا منه وأملوا ، فطلبه إلى حضوره ، وعهد إليه بالسلطنة ، وتوجه إليه التخت ، وتوجه مع خواص خدمه إلى إدارته ، فلما وصل إلى «قربة جورلو» انكسر زجاج مزاجه ، وعجز الأطباء فى علاجه ، وسقاه ساقى الحمام كأس أجله المحتوم ، فسلم إلى قابض الأرواح روح المرحوم ، وأقدم على الله تعالى الحى القيوم ، ورزق مرتبة الشهادة ، ونال بها أعلى درجات السعادة ، وانتقل من الملك الذليل الفانى إلى الملك الدائم الباقى ، وذلك فى سنة ٩١٨ ه.
وولى عوضه السلطان الأعظم السلطان سليم خان كاسر سلطان العجم ، وفاتح إقليم مصر ، وسائر ممالك العرب (طيب الله ثراه ، وجعل الفردوس أعلى محله وما وراه».
مولده : فى أماسية سنة ٨٧٣ ه ، وجلس على تحت السلطنة وعمره جميعه ستة وأربعون سنة.