وكانت مدة سلطنته تسع سنين وثمانية أشهر ، وكان عمره جميعه أربعا وخمسون سنة ولم يعمر أكثر من ذلك ، ولم تطل مدة سلطنته لأنه كان سفاكا يكثر (١) من القتل ، وهذه عادة الله تعالى فى السلاطين ، والأمراء والحكام إذا أكثروا من سفك الدماء.
وكان سلطانا قاهرا ، مالكا جبارا ، قوى البطش ، عظيم القتل ، كثير الفحص عن أخبار الناس ، شديد التوجه أهل النجدة والباس ، عظيم التجسس عن أخبار الممالك ، عارفا بمسالك الطرق والمسالك ، وكان يغير زيه ولباسه ، ويتجسس فى الليل والنهار ، ويطلع على الأخبار وتكشف الأسرار ، وله عدة مصاحبين يدورون فى الأسواق ، والجمعيات والمخافل ، ومهما سمعوا به ذكروه له فى مجلس المصاحبة ، فيعمل بمقتضى ما يسمعه بعد الوقوف فيهم ، وقد أدركت جماعة من مصاحبيه المذكورين ، وسمعت منهم حسن مصاحبة السلطان سليم معهم ، ولطف معاشرته لهم ، وتفرسه فى اللغة الفارسية ، وحسن ظنه بالفارسية والرومية ، وبحيث فاق فيه فصحاء الطائفتين.
ورأيت بيتين بالعربى بخطه الشريف كتبهما فى علو المقياس فى الكوشك الذى أمر بنائه لما افتتح مصر وسكن الروضة المحا انمحى لطول الزمان مداده ، ومال إلى لون البياض سواده ، وكان هذا الكوشك محترما مقفلا لا يصل إليه أحد لعظم بانيه ، ولا ينتذل بالدخول إليه تعظيما لراعيه ، فدخلت إلى مصر سنة ٩٣٣ ه ، وكان يوم كسر الفيل السعيد ففتحوا هذا الكوشك «لبكريكى» صاحب مصر يومئذ «حسرف باشا» ، وكنت مصاحبا لمعلمه مولانا عبد الكريم العجمى ، فطلع وأطلعنى معه فى صحبة «حسرف باشا» المذكور ، فرأيت مكتوبا على الرخام الأبيض كتابة خفيفة لا تكاد تقرأ إلا بتأمل ، وهى هذين البيتين :
الملك لله من يظفر بنيل منى |
|
يرده قسرا ويضمر منه نفسه الدركا |
__________________
(١) فى (س) : كثيروا.