فاشترت زبيدة هذا الحائط ، وبدلت تلك المزارع والنخيل ، وسقت لها الفتاة فى الحال ، وجعلت لها الشحاحيذ فى كل جبل ، يكون ذيله مظنة لاجتماع الماء عند الأمطار ، وجعلت فيه قناة متصلة إلى مجرى هذه العين فى محاذاتها ، يحصل منها الممد بهذه العين ، فصار كل شحاذ عينا يساعده عين حنين ، منها عين مساس وعين ميمون ، وعين الزعفران ، وعين البرود ، وعين الطارقى ، وعين ثقبه والجرينات ، وكل مياه هذه العيون تنصب فى ذيل حنين ، ويبطل بعضها ويزاد بعض وينقص ، بحسب الأمطار الواقعة على أم إحدى هذه العيون أو على جميعها ، إلى أوصلت على هذه الصورة إلى مكة المشرفة.
ثم إنها أمرت بإجراء عين وادى نعمان إلى عرفة ، وهى عين منبعها ذيل جبل كدا ، وهو جبل شامخ جدا أعلاه أرض الطائف مسيرة نصف نهار من أسفله إلى أعلاه ، من صعد فيه أؤ نزل منه مرة لا يعود لوعرة مرقاه وصعوبته وينصب من ذيل جبل كدا فى قناة فى موضع يقال له الأوجر وادى نعمان ، ويجرى منه إلى موضع بين جةبلين شاهقين فى علو أرض عرفات فيها مزارع.
ولشعر العرب تشوقات وتغزلات فى واد النعمان ، وفيه يقول :
أيا جبلى نعمان بالله خليا |
|
نسيم الصبا يخلص إلى نصيبها |
فعملت القنوات إلى أن جرى ماء عين نعمان من أرض عرفة ، ثم أديرت القناة بجبل الرحمة ، محل الوقف الشريف الأعظم فى الحج ، وجعل فيها الطرق إلى البرك التى فى أرض عرفات ، ويقال لها طريق «ضابّ» ـ بالضاء المعجمة المفتوحة ، فالأف بعدها باء واحد مشددة ـ وتسمى الآن عند أهل مكة «المظلمة» ـ بضم الميم ثم ظاء معجمة ساكنة ، فلام مكسورة ، ثم ميم مفتوحة ، ثم هاء التأنيث.
ثم يصل منها إلى مزدلفة ، ثم يستمر إلى جبل خلف «منى» فى قبيلها ، ثم ينصب إلى بئر عظيمة منطوية بالأحجار ، كبيرة جدا ، تسمى بئر زبيدة ، إليها ينتهى عمل هذه القناة ، وهن من الأبنية المهولة ، كما يتوهم أنه من بناء