فاجتمع المرحوم عبد الباقى بن على العربى قاضى مكة يومئذ والأمير خيري الدين حضر سنجق جدة المعمورة حينئذ وغيرهما من الأعيان ، وتفحصوا وداروا ، وتزملوا واشتاروا ، فأجمع ريهم على أن أقوى العيون عين عرفات ، وطريقها ظاهرة ، وذبولها مبنية إلى بئر زبيدة خلف منى ، وإن الذى يغلب على الظن أن بلوغها من بئر زبيدة إلى مكة مبنية أيضا ، وإنما يحتاج إلى الكشف عنها والفحص إلى أن تظهر ، لأن زبيدة لما بنت الذبول من عرفه إلى بئرها المشهور خلف منى ، جميعها ظاهرة على وجه الأرض ، والباقى أيضا من ذلك المحل إلى مكة مبنى أيضا ، إلا أنه خاف من تحت الأرض ، واستغنى عنها بعين حنين ، وتركت هذه ، ونسيت وطمت ، وغفل عنها ، هكذا ظنوا وخمنوا ، إنهم إذا اتبعوا عين عرفات من أولها ، من الأجر إلى نعمان ثم إلى عرفة ثم إلى مزدلفة ثم إلى بئر زبيدة ، وأصلحوا هذه الذبول الظاهرة ، وكشفوا عنب الباقى ، وبنوا ما وجدوا منهدما ، ورمموا الباقى ، احتاجوا إلى ثلاثين ألف دينار ذهبا ، وزرعوه وقاسوه ، فكان من الأوجر إلى بطن مكة خمسة وثلاثين ألف ذراع بذراع البنائيبن الآن ، وهو أكثر من الذراعي الشرعى ، بقدر ربعه ، وهو الذى تخيلوه فى وجوه بقيةي الذيل تحت الأرض ، لما يوجد فى كتب التاريخ ، وإنما أداهم إلى ذلك الأمر ، مجرد الظن بحسب القرائن ، وعرضوا ذلك إلى الباب الشريف سنة ٩٦٥ ه.
فلما وصل علم ذلك إلى المسامع الشريفة السيلطانية ، التمست صاحبة الخيرات ، أكليلة المخدرات ، تاج المحصنات ملكة المملكات ، قدسية الملكات عليه الذات ، صفية الصفات ذات العلى والسعادات ، حضرة جانم سلطان كريمة حضرة السلطان سليمان (سقى الله عهده صوب الرحمة والرضوان) ، أن يأذن لها فى عمل هذا الخير ، حيث كانت صاحبة الخير أولا أم جعفر زبيدة العباسية ؛ فناسب أن تكون من صاحبة هذا الخير ، فاستشارت الحضرة السلطانية وزراء ديوانها الشريف العالى ، فيمن يصلح لهذه الخدمة الشريفة ، فاتفقت آراؤهم الشريفة على أن هذه الخدمة لا يقوم بها إلا دفتردار مصر ، الأمير الكبير المعظم ، فائض الجود والفضل والكرم ، صاحب السيف