الكرماء العظام المتجملين المشهورين بالكرم والشجاعة أبقاه الله تعالى ، ووصل إلى مكة قاضيها فى ذلك الموسم مع الركب الشامى ، وهو أعلم الموالى ، أفضل الفضلاء الأمالى ، مولانا فضيل أفندى بن مولانا على جلبى المفتى الجمالى ، وهو من أصلاء العلماء العظام ، له التصانيف الحسنة المتقولة ، وهو الآن يترقى فى الباب العالى مد الله تعالى ظلال أفعاله.
وحج الأمير إبراهيم بيك فرض حجه ، وعاد الحجاج إلى أوطانهم فائزين بالغفران والقبول ، فائزين بكل مطلوب ومأمول ، وشرع الأمير إبراهيم فى الكشف فى ذيول عين عرفات ، وضرب أوطاقه فى الأوجر وادى نعمان فى علو عرفات ، وشرع فى حفر قعرها ، وتنظيف ذبولها بهمة عالية جدا ، وكانت مماليكه القائمين فى خدمته ، أربعمائة مملوك فى غاية الجمال والرشاقة والحذاقة واللياقة ، أقامهم فى هذا العمل من الأوجر إلى مزدلفة ، وكتب نحو ألف نفس من العمال والبنائيين ، والمهندسين ، والحدادين ، وجلب من مصر ، وبلاد الصعيد ومن الشام وحلب وأسطنبول ، ومن بلاد اليمن طوائف بعد طوائف من المهندسين ، وخدام العيون والآبار والحدادين ، والبنائين ، والحجازين والقطاعين والنحاتين ، والنجارين وغيرهم ممن يحتاج إليهم بآلات العمارة صحبها معه من مصر من مكاثل ومساحى ومجاريف ، وحديد وبولاد ونحاس ورصاص ، وغير ذلك ، مع الهمة القوية ، والإقدام التام والاهتمام ، وعين لكل طائفة قطعة من الأرض ، لحفرها وتنظيف ما فيها مني الذبول ؛ ليظهر سعيه واجتهاده.
وكان يظن أن يفرغ من هذا العمل الذى جاء بصدده ، فيما دون عام ، ويرجع إلى الأبواب السلطانية ؛ لينال المناصب العالية ، ويظفر بالمراتب السامية ، ويأتى الأبواب السلطانية ؛ لينال الإمارات وما كل ما يتمنى المريد من المراد ، والسنة الأقدار تناديه من وراء الحجاب كيف الخلاص؟ وإلى أين الذهاب؟ واستمر على هذا الجد والاجتهاد إلى أن اتصل عمله بعمل زبيدة إلى البئر التى انتهى عملها إليها ، ولم يوجد بعده منيل وآثار عمل ، وضاق ذرعه بذلك ، وعلم أن الخطب كثير ، وأن العمل كثير ، وتحققوا أن القدر