الباقى من هذا العمل ، إنما تركته زبيدة اضطرارا بغير اختيار ، وعدلت عنه إلى عين حنين ، وتركت العمل من البئر لصلابه الحجر ، وصعوبة إمكان قطعه ، وطول مسافة ما يجب قطعه ، فإنه يحتاج من بئر زبيدة إلى ذبل منقور تحت الأرض ، فى الحجر الصوان ، طوله ألف ألف ذراع البابين حتى يتصل بذلك عين حنين ، وينصب منه ويصل إلى مكة ،
ولا يمكن نقب ذلك الحجر تحت الأرض ، فإنه يحتاج فى النزول إلى خمسين ذراعا فى العمق ، وصار لا يمكن ترك ذلك بعد الشروع ، حفظا لناموس السلطنة الشريفة ، فما وجد الأمير إبراهيم حيلة ، غير أن يحفر وجه الأرض إلى أن يصل إلى الحجر الصوان ، ثم يوقد عليه بالنار ، مقدار مائة حمل من الحطب الجزل ، ليلة كاملة فى مقدار سبعة أذرع فى عرض خمسة أذرع من وجه الأرض ، والنار ما تعمل إلا فى العلو ، لكنها تعمل عملا يسيرا جدا من جانب السفل فيلين الحجر من جانب السفل مقدار قيراطين ، من أربع وعشرين قيراطا من ذراع فيكسر بحديد ، إلى أن يصل إلى الحجر الصلب الشديد ، فيوقد عليه بالحطب الجزل ليلة كاملة أخرى ، وهلم جرى ، إلى أن ينزل فى ذلك الحجر خمسين ذراعا فى العمق فى عرض خمسة أذرع إلى أن يستوفى إلى ذراع يقطع على هذا الحكم ، وذلك يحتاج إلى عمر نوح ومال قارون ، وصبر أيوب ، وما رأى عن ذلك يحتاج من جميع الجبال فى مكة ، فصار يجلب الحطب من المسافات البعيدة ، وغلى سعره ، وضاق الناس بذلك ، وتعب الأمير إبراهيم لذلك ، وذهبت أمواله وخدامه وو أولاده ومماليكه ، وهو يتجلد على ذلك ، إلى أن قطع لمسافة ألف ذراع وخمسمائة ذراع ، وصار كلما فرغ المصروف أرسيل وطلب مصروفا آخر إلى أن صرف أكثر من خمسمائة ألف دينار من الخزائن العامرة السلطانية ، وغرق له مركب كان فيه باقى مجملاته وخزائنه ، ونقوده ، وفيه جمله من عبيده وأسيابه.
وكان ينوف على مائة ألف ذهب ، فى ابتداء أمره ، ثم مات طفل نجيب ، كان خلفه بمصر ، احترق عليه كثيرا ، ثم مات له ولدان مراهقان ناجبان فاضلان ، أخذ المجامع قلبه ، وفتت كبده ، ثم مات كتخدائه ، وكان بمنزله