أمراء السناجق ، ثم مات أكثر مماليكه ، وهو يتجلد لتلك المصائف العظيمة ، ويظهر الجلد عليها ، إلى أن ذهب قواه ، وظهر بلاه ، وأثر فيه الإسهال ، ورمته الأهوال ، وجاءه الأجل الذى لا يتقدم ولا يتأخر ، وإن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ، فمات غريبا وشهيدا ، ومضى إلى رحمة الله ، وحيدا فريدا فى ليلة الاثنين ثانى رجب المرجب سنة ٩٧٣ ه ، وصلى عليه عند باب الكعبة ، وكانت جنازته حافلة جدا ، وأسف الناسي على فقده لكثرة إحسانه ودفن بالمعلاة على يمين الصاعد إلى الأبطح ، وخلف طفلا وحملا وبنتا من أهل الخير ، كثيرة الصلاح والعبادة ، وكان ذكر إلى أن مولده سنة ٩٢٣ ه رحمهالله تعالى ، وأرضى عنه خصمائه ، وآمنه يوم الفزع الأكبر ، وسقاه من حوض الكوثر.
ثم ولى بعده فى هذه الخدمة سنجق جدة أمير قاسم بيك ، بإقامة سيدنا ومولانا المقام الشريف العالى الدنيا والدين مولانا السيد حسين صاحب مكة أدام الله تعالى دولته وسعادته ، وشيد عزه وعظمته وسيادته.
وعرض ذلك إلى الباب الشريف العالى ، وأمره أن يباشره هذه الخدمة ، إلى أن يصل من عتبة السلطنة الشريفة لأداء هذه الخدمة ، وكانت السلطنة الشريفة العظمى ، والخلافة العلية الكبرى ، حتى انتقلت من المرحوم السلطان سليمان خان إلى نجله السعيد الأسعد الأمجد السلطان سليم خان ، سقى الله عهدهما صوب الرحمة والرضوان.
فعين لها فى الباب العالى دفتردار مصر يومئذ محمد بيك أكمل حى داره ، وكان مجملا مبرئا من أعيان الأمراء الصناجق الكبراء ، وله عقل تام ، ذا رأى ثاقب ، وإحسان وإنعام وتلطف وتعطف وإكرام ، ووصل إلى هذه الخدمة الشاقة وبذل فيها نفسه ، وماله ، وأظهر تجلده ، وتحمله واحتماله ، وقطع مسافته ، وما بلغ التمام ، إلى أن وفاه الحمام ، وانتقل إلى رحمة الله تعالى سعيدا شهيدا بمرض الإسهال ، وأقدم على ربه الكبير المتعال ، فى ليلة الثلاثاء وقت السحر ، لأربع ليال بقين من جمادى الأولى سنة ٩٧٠ ه ، وصلى عليه عند باب الكعبة الشريفة ، ودفن فى المعلا قباله تربة الأمير إبراهيم