حليما محبا للعلماء والصلحاء ، محسنا إلى المشايخ والفقراء ، كان إحسانه يصل إلى فقراء الحرمين الشريفين ، وهو شاه زاده ، وفضل بتشارفه وكساويه فى كل عام إلى الفقراء والعلماء ، وكان يصل إحسانه فى كل سنة ، وبعد أن ولى السلطنة الشريفة ، لم يقطع عادة إحسانه ، واستمر يصل ذلك إليهم فى كل عام ، بحيث أضيف ذلك إلى دفتر الصرة الرومية ، ويقسم كل سنة على الحكم السابق إلى الآن ، فهو الملك الهمام ، المحسن النعام ، الفائض الإحسان والإنعام ، طالما طافت بكعبة الأمالى ، واعتمرت ، وصدع بأوامره الليالى والأيام فأوتمرت ، وغرس فى رياض السعادة عروس أشجار السيادة ؛ فسقت وأثمرت وغمر بحسن نظره أرجاء البلاد ، فهدت بعد الخراب وعمدت ، ودمر بسياسته أرباب الظلم ؛ فخربت ديار الظالمين ودمرت ، وكم أظهرت لسواد الكفر يد صارمة بيضاء آية للناظرين ، وكم جهز جيوشا للجهاد فى سبيل الله ؛ فقطع دابر الكافرين.
فمن أكبر غزواته فتح جزيرة قبرس ، بسيف الجهاد ، ومنها فتح تونس الغرب ، وحلق الواد ، ومنها فتح ممالك اليمن ، واسترجاعها من العصاة البغاة ، أهل الإلحاد.
ومن خيراته تضعيف صدقة الحب وإرساله مدة سلطنته إلى الحرمين الشريفين ومنها الأمر ببناء المسجد الحرام ، زاده الله شرفا وتعظيما ، وكل ذلك من الآثار العظيمة ، والمزايا الفاضلة الكريمة ؛ فلنذكرها بطريق الإجمال ؛ لضيق المحال ، فأما قبرس فهو بالسين لا بالصاد ، كما يغلط فيه العوام ، جزيرة فى البحر.
قال الفقيه العدل المفنن أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد النور الحميرى فى كتابه «الروض العطار فى أخبار الأقطار» : قبرس جزيرة على البحر الشامى ، كثيرة القطر ، مقدارها مسيرة ستة عشر يوما ، وبها قرى ومزارع وأشجار وهواشى ، وبها معدن الزاج القبرس ، ومنها يجلب إلى سائر الأمطار ، ومنها ثلاث مدن ومن قبرس ومنها ، ومن قبرس إلى أبلس الشام مجريان فى البحر ، وقبرس على ممر الأيام رخاءها شامل ، وخيراتها