فذاق وبالا حين حاول ملكنا |
|
وعالج منا غصة تتجرع |
ونحن عمرنا البيت كنا ولاته |
|
ندافع عنه من أتانا وندفع |
وما كان يبغى أن يلى ذاك غيرنا |
|
ولم يك حى بعدنا ثم يمنع |
وكنا ملوكا فى الدهور التى مضت |
|
ورثنا ملوكا لا ترام فتوضع |
ثم نشر الله أبناء إسماعيل وأخوالهم جرهم ، وكانت جرهم ولاة البيت لا ينازعهم بنو إسماعيل لخئولتهم وقرابتهم ، فلما ضاقت عليهم مكة انتشروا فى الآفاق ؛ فلا يأتون قوما ، ولا ينزلون بلدا إلا أظهرهم الله عليهم بدينهم ، وهو يومئذ دين إبراهيم حتى ملؤا البلاد ، ونفوا عنها العمالقة ، وكانوا ولاة مكة ؛ فكانوا ضيعوا حرمة الحرم واستحلوها ، واستخفوا بها ؛ فأخرجهم الله من أرض الحرم.
قال : بم أن جرهما استخفت بأمر البيت الحرام ، وارتكبوا الأمور العظام ، وأحدثوا فيها ما لم يكن قبل ذلك ؛ فقام عليهم مضاض بن عمرو خطيبا ، فقال : يا قوم احذروا البغى فققد رأيتم من كان قبلكم من العماليق ، كيف استخفوا بالبيت ، فلم يعظموه ، فسلطكم الله عليهم ؛ فأخرجتموهم ، فتفرقوا فى البلاد ، وتمزقوا كل ممزق ، فلا تستخفوا بحرم الله تعالى فيخرجكم منه ، فلم يطيعوه وولوهم بالغرور ، وقالوا : من يخرجنا ونحن أعز العرب وأكثر رجالا وسلاحا ؛ فقال لهم : إذا جاء أمر الله بطل ما تقولون ، فلما رأى مضاض بن عمرو ذلك عمد إلى غزالتين من ذهب كانتا فى الكعبة ، وما وجد فيها من الأموال التى كانت تهدى إلى الكعبة ، ودفنها فى بئر زمزم ، وكانت بئر زمزم قد نضب ماؤها ؛ فحفرها بالليل ، وأعمق الحفر ، ودفن فيها تلك الغزالتين والأموال ، وطم البئر ، وأعزل جرهم وأخذ منهم بنى إسماعيل ، وكانوا قد اعتزلوا عنهم حرب خزاعة (١) ؛ فأخرجت
__________________
(١) خزاعة : قبيلة من الأزد من القحطانية ، وهم : بنو عمرو بن ربيعة بن حارثة بن مزيقياء. قال أبو عبيد : عمرو هذا أبو خزاعة كلها ، ومنه تفرقت بطونها. نهاية الأرب : ٢٤٤.