قلت : وسيأتى أن هارون الرشيد كتب : أن يكون ولى عهده بعده محمد الأمين (١) ثم عبد الله المأمون (٢) ، وبايع لهما على ذلك أعيان مملكته ، وكتب مبايعتهم ، وأرسل نسخة ذلك العهد وعلقها فى الكعبة.
ثم لما وقع بعد الاختلاف بينهما وأرسل الأمين عسكرا لقتال أخيه المزمون ، أرسل إلى مكة ، وأخرج كتاب العهد من الكعبة ومزقه ؛ فمزق الله ملكه ، وانكسر عسكره ، وانتصر المأمون وجاء إلى بغداد وحاصر الأمين ، إلى أن أمسكه عبد الله بن طاهر وقتله ، وأتى برأسه إلى المأمون ، وسيأتى تفصيل ذلك جميعه إن شاء الله تعالى.
ثم لما وقعت الفتن بمكة أخذت تلك المعاليق من الكعبة ، فصرفت فى ذلك ، وقد كانت الملوك ترسل بقناديل الذّهب وتعلق فى الكعبة.
وكانت شيوخ سدنة البيت الشريف إذا احتاجت اختلست منها ما تسد به خللها ، وتدفع به فقرها واحتياجها ، وقد أدركناه فى زمن الصبا ، وقد خفت القناديل.
__________________
(١) محمد الأمين ؛ هو : محمد بن الرشيد هارون بن المهدى بن محمد بن المنصور الهاشمى القرشى العباسى البغدادى ، أمه : زبيدة بنت جعفر المنصور الهاشمية العباسية ، وهو ثالث خليفة تخلف أبواه هاشميان ؛ الأول : على بن أبى طالب ، والثانى : ابنه الحسن ، والثالث : محمد هذا ، ولى الخلافة بعد موت أبيه ، واستناب أخاه المزمون على ممالك خراسان ، وفى أيامه فتحت أهواز.
وفى يوم السبت الخامس والعشرين من المحرم سنة ١٩٨ ه ، ظفر ظاهر بن الحسين بالأمين فقتله بظاهر بغداد وشال رأسه على رمح وطيف به ، وكانت خلافته أربع سنين وأيام ، وفى سيرة مغلطاى : أربع سنين وستة أشهر وعشرة أيام. تاريخ الخميس : ٢ / ٣٣٣ ، ٣٣٤.
(٢) المأمون ؛ هو : عبد الله بن الرشيد هارون بن المهدى محمد بن أبى جعفر المنصور ، أمه : أم ولد تسمى : مراجل ، ماتت أيام نفاسها به ، ولد سنة ١٧٠ ه عندما استخلف أبوه بويع بالخلافة بمرو ، له اعتناء بالفلسفة وعلوم الأوائل ، وعاش المأمون ثمانيا وأربعين سنة ، وكانت وفاته فى ثانى عشر رجب سنة ثمانى عشرة ومائتين ، وكانت خلافته إحدى وعشرين سنة إلا ستة أشهر ، وفى سيرة مغلطاى اثنتين وعشرين سنة ، وفى دول الإسلام نيفا وأربعين سنة ، وتوفى بالبدنرون من طرسوس ليلة الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من رج سنة ٢١٨ ه. تاريخ الخميس : ٢ / ٣٥ ، ٣٣٦.