وأدركنا من شيوخ الكعبة من كان يتهم بذلك ، بل أخبرنى نجار أنه عمل محطا لأحدهم مركبا من الخشب مربعا من عدة أعواد ، طول كل واحدة منها نحو دراع تركب فتطول ، ثم تفك وتحمل فى الكم ، فإذا دخل الشيخ يوم فتح الكعبة ابتدأ فدخل وحده كما هو عليه مشايخ الكعبة ، وركب ذلك المحط ، ونزل قنديلا وفك تلك الأعواد ، وغمس ذلك القنديل ، ووضعه فى كمه الواسع.
ثم أذّن للناس بالدخول إلى البيت الشريف ، وما يحمله على ذلك غير فقره واحتياجه تجاوز الله عنه ، وافتقد مرة أمير من أمراء جده قنديلا كان علق قريبا فى البيت الشريف ؛ فكلم على ذلك الشيخ ، وأراد إهانته فلم يقدر على ذلك ، وتكلم الناس عليه ، وكان يقول : الحافظة على هيئة الإنسان أوجب من المحافظة على قناديل معلقة فى الكعبة لا ينفعها تعليقه ، ولا يضرها فقده ، وقد وصلنا إلى حد المخمصة ، فنعذر فى ذلك إن وقع فعله منا ، والبيت الشريف الآن ولله الحمد والشكر فى غاية الصون فى أيام هذا الشيخ الموجود الآن لعفته وأمانته علقت فى أيامه قناديل كثيرة أهداها الملوك إلى الكعبة الشريفة ، وهى محفوظة معلومة عند الناس ، باقية يرونها فى سقف البيت الشريف ، أوقات فتح الكعبة لسائر الناس.
وقد وصل فى وسط سنة ٩٧١ من الباب الشريف العالى السلطانى جاويش اسمه «محمد جاويش» كان قبل ذلك كاتبا للحرم الشريف على عمارة المسجد الحرام ، وكان توجه بشارة إتمام عمل المسجد الشريف على عمارة المسجد الشريف إلى الباب العالى السلطانى ، وهو رجل فى غاية الأمانة والاستقامة وحسن الخدمة وفضيلة الكتابة ، وحسن الحظ والمروءة ، وعلو الهمة سلمه الله تعالى.
وأقبلت عليه السلطنة نصرها الله تعالى ، وأنعمت عليه بأنواع الإنعام والترقى وغير ذلك من الإكرام ، وصار فى عدد خواص جاويشية الباب العالى.