عبارة عن رسائل ، ويوميات صاحب «المقدمة» خلال أسفاره ورحلاته المتكررة ما بين المغرب والأندلس ، ورحلته إلى المشرق العربي ، نحو مصر أولا ، فالجزيرة العربية لقضاء فريضة الحج ، ثم الحج إلى بيت المقدس ، وأخيرا رحلته المثيرة إلى دمشق أثناء غزو التتار للمدينة سنة ٨٠٣ ه ١٤٠٠. وبالتالي فهو «تعريف» ـ سيرة ذاتية ، وكتاب «رحلة» معا. ظل صاحبه يضيف إليه ويبدّل في نسخه حتى أواخر أيام حياته. ومن هنا ، من كثرة الإضافة إلى النّسخ ، فضلا عن ارتباط الكتاب بكتاب آخر ، تسبب ابن خلدون لقرائه بتلك الحيرة من أمر الكتاب وهويّته المستقلّة.
ويتضمّن الكتاب أيضا ، أخبار تولّيه المناصب وعزله عنها في المشرق العربي ، وما لعبه من أدوار في السياسة والقضاء ، وما تضلّع به من أدوار في الوساطة بين سلاطين المشرق وسلاطين المغرب ، وبين أهل دمشق وتيمورلنك لأيام قبل وقوعها في قبضة التتار.
هناك من يصنف هذه الرحلة في عداد الرحلات الفهرسية التي يتوخى أصحابها من الترحال التعريف بالأعلام من علماء وشيوخ وسلاطين ورجالات دولة ، ومن بين هؤلاء الحسن الشاهدي في كتابه «ادب الرحلة بالمغرب في العصر المريني» المطبوع في الرباط سنة ١٩٩٠. ولا نتفق مع هذا الرأي ، فالرحلة تشمل ما هو أبعد من ذلك ، ويجوز أن ينطبق هذا التوصيف على مستوى منها ، خصوصا في القسم الأول الذي ضم مادونه ابن خلدون عن جولاته وأسفاره في المغرب ، وبين المغرب والأندلس.
II
فرغ ابن تاويت الطنجي من كتابة مقدّمة هذا الكتاب في ٦ رجب سنة ١٣٧٠ ه ـ ١٢ أبريل سنة ١٩٥١ م في القاهرة ، وهي سنة طبع الكتاب ، ليقدّم للقارىء العربي المفتاح الأول لمعرفة شخصية ابن خلدون. وها هو يخرج الكتاب ، وللمرة الأولى ، كما أراده مؤلّفه أن يكون : كتابا مستقلا. ورغم أن أجزاء أساسية من هذا الأثر نشرت في القاهرة مرتين ، سنة ١٨٦٤ ، وسنة ١٩٠٦ ، إلا أن عمل ابن تاويت كان من الدقّة العلميّة والإشراق الفكري ، بحيث أعاد بناء الكتاب بناء جديدا ، استدرك معه كلّ التغييرات والإضافات والشّروح والملاحظات التي دوّنها ابن خلدون ، على مدار