سنوات ، ووزّعها على النّسخ المختلفة للكتاب ، وهي كثيرة ، فاختلفت باختلافها ، وتعدّدت بتعدّدها ، وكلّها تقع في باب استدراك العالم القلق فكره ، والمفكّر النّاقد ، الذي لا يستثني من ممارسته النقدية ، مراجعة نظرته الخاصّة وأحكامه وآراءه. ليأتي ابن تاويت فيمرّ عليها كلّها (النسخ واختلافاتها) مرور عالم متأنّ ، وباحث يتطلع إلى الأكمل ، فلا يرضى ، بدوره ، عن عمله حتى يراه أقرب في صياغته الأخيرة ، من الصورة التي ربّما طمح إليها ابن خلدون. لقد فحص ابن تاويت الاختلافات في النّسخ المختلفة من مخطوطات الكتاب فحصا دقيقا ، فثبّتها في مواضعها من نسخة أخيرة أراد لها أن تكون المرجع الجامع الذي لا جدال في اشتماله على كلّ ما نثره ابن خلدون هنا وهناك من جديد ومختلف في النّسخ التي نسخها بنفسه أو تلك التي أشرف على نسخها لتكون لهذا السلطان ، أو ذاك الأمير ، أو هذا العالم ، ليخلص ، من ثمّ المحقّق الفذّ إلى النسخة التي بين أيدينا من الكتاب.
ويهمنا أن نشير ، هنا ، إلى أن ما وقف عليه ابن تاويت من اختلاف في النّسخ المتعدّدة للعمل ليس مصدره اختلاف الأشخاص المرسلة إليهم النّسخ وحسب ، وإنما أيضا ، التطوّر الذي طرأ على فكر ابن خلدون واتّساع آفاق ثقافته ونضج تأملاته مع تقدّم الزّمن ، فكانت (الإضافات ـ الاستدراكات) مع كلّ نسخة جديدة تحمل رؤى وأفكارا جديدة ، وإعادة نظر في المسائل تكشف عن وعي متجدّد وفكر خلّاق.
III
من المؤسف أنّنا لا نملك ترجمة وافية لمحقّق هذا الكتاب ، وحسب عبد الله الجراري في كتابه «التأليف ونهضته بالمغرب في القرن العشرين ، من ١٩٠٠ إلى ١٩٧٢» ، كانت نشأة محمد بن تاويت الطنجي في بلده طنجة نشأة علمية. وفي الأربعينات شدّ رحاله نحو الشرق ، فوصل إلى القاهرة على سبيل تحقيق بعض الكتب. وهناك عقد صلات وثيقة مع طه حسين وأحمد أمين وأمين الخولي وغيرهم من كبار المفكّرين والكتاب المصريين. وتمكّن من إقامة صلات مهمّة بالأوساط العلميّة ، ولقي اعترافا بعلمه وسعة ثقافته ، ولم يلبث أن حاز تقدير الحياة الثقافيّة العربيّة في مصر لما قام به من جهود في تحقيق بعض المخطوطات العربيّة القديمة ،