أحنّ إليها حيث سار بي الهوى |
|
وأنجد رحلي في البلاد وأتهما (١) |
ولمّا استقرّ ، واطمأنّت الدّار ، وكان من السّلطان الاغتباط والاستئثار وكثر الحنين إلى الأهل والتذكار ، أمر باستقدام أهلي من مطرح اغترابهم (٢) بقسنطينة ، فبعث عنهم من جاء بهم إلى تلمسان. وأمر قائد الأسطول بالمريّة ، فسار لإجازتهم في أسطوله ، واحتلوا بالمرية. واستأذنت السّلطان في تلقّيهم ، وقدمت بهم على الحضرة ، بعد أن هيأت لهم المنزل والبستان ، ودمنة الفلح ، وسائر ضرورات المعاش.
وكتب الوزير ابن الخطيب عندما قاربت الحضرة ، وقد كتبت إليه استأذنه في القدوم ، وما أعتمده في أحواله :
سيدي ، قدمت بالطّير الميامين ، على البلد الأمين ، واستضفت الرّفاء إلى البنين ، ومتّعت بطول السنين. وصلتني البراءة (٣) المعربة عن كثب اللقاء ، ودنوّ المزار ، وذهاب البعد ، وقرب الدار ؛ واستفهم سيدي عمّا عندي في القدوم على المخدوم ، والحقّ أن يتقدم سيدي إلى الباب الكريم ، في الوقت الذي يجد المجلس الجمهوري لم يفض حجيجه ، (٤) ولا صوّح (٥) بهيجه ، ويصل الأهل بعده إلى المحل الذي هيأته السعادة لاستقرارهم ، واختاره اليمن قبل اختيارهم ، والسلام.
ثم لم يلبث الأعداء وأهل السّعايات أن خيّلوا الوزير ابن الخطيب من ملابستي للسلطان ، واشتماله عليّ ، وحرّكوا له جواد الغيرة فتنكّر. وشممت منه رائحة
__________________
(١) أنجد ، وأتهم : دخل نجدا ، وتهامة.
(٢) مطرح الاغتراب : المكان البعيد عن الأهل والعشيرة.
(٣) البراءة في مصطلح المغاربة والأندلسيين : الرسالة كيفما كان موضوعها. ولا يتقيدون فيها بالمعنى اللغوي للبراءة.
(٤) الإفاضة : الدفع في السير بكثرة. والحجيج : جمع حاج ؛ يريد قبل أن يتفرق رواد المجلس السّلطاني من أهل الدولة.
(٥) صوّح النبت : تم يبسه.