والأمان ، وكفالة الرّحمن بعد الاغتباط المربى على الخبر بالعيان ، والتمسّك بجواره بجهد الإمكان ، ثم قبول عذره بما جبلت الأنفس عليه من الحنين إلى المعاهد والأوطان. وبعد أن لم يذخر عنه كرامة رفيعة ، ولم يحجب عنه وجه صنيعة ، فولاه القيادة والسّفارة ، وأحلّه جليسا معتمدا بالاستشارة ، وألبسه من الحظوة والتقريب أبهى الشارة ، وجعل محلّه من حضرته مقصودا بالمثل معنيّا بالإشارة ، ثم أصحبه تشييعا يشهد بالضّنانة بفراقه ، ويجمع له برّ الوجهة من جميع آفاقه ، ويجعله بيده رتيمة خنصر ، (١) ووثيقة سامع أو مبصر ، فمهما لوى أخدعه (٢) إلى هذه البلاد بعد قضاء وطره ، وتملّيه من نهمة (٣) سفره ، أو نزع به حسن العهد وحنين الود ، فصدر العناية به مشروح ، وباب الرضا والقبول مفتوح ، وما عهده من الحظوة والبرّ ممنوح. فما كان القصد في مثله من أمجاد الأولياء ليتحوّل ، ولا الاعتقاد الكريم ليتبدّل ، ولا الأخير من الأحوال لينسخ الأول. على هذا فليطو ضميره ، وليرد متى شاء نميره ، (٤) ومن وقف عليه من القواد والأشياخ والخدام ، برّا وبحرا ، على اختلاف الخطط والرّتب ، وتباين الأحوال والنّسب ، أن يعرفوا حقّ هذا الاعتقاد ، في كل ما يحتاج إليه من تشييع ونزول ، وإعانة وقبول ، واعتناء موصول ، إلى أن يكمل الغرض ، ويؤدّى من امتثال هذا الأمر الواجب المفترض ، بحول الله وقوّته.
وكتب في التاسع عشر من جمادى الأولى عام ستة وستين وسبع مائة.
وبعد التاريخ العلامة بخط السّلطان ، ونصّها : «صح هذا».
__________________
(١) الرتيمة : الخيط الذي يشد في الأصبع لتستذكر به الحاجة.
(٢) الأخدعان : عرقان في موضع الحجامة من العنق ، والواحد أخدع ؛ يكني بالأخدعين عن العودة إلى هذه البلاد.
(٣) النهمة : الحاجة ، وبلوغ الهمة في الشيء.
(٤) النمير من الماء : الزاكي ، الناجع.