وإعانة ؛ ثمّ بعث صاحب تلمسان إلى السّلطان (أبي عبد الله) (١) يطلب منه الصهر ، فأسعفه بذلك ليصل يده به على ابن عمّه ، وزوّجه ابنته ، ثم نهض السّلطان أبو العبّاس سنة سبع وستّين ، وجاس أوطان بجاية ، وكاتب أهل البلد ، وكانوا وجلين من السّلطان أبي عبد الله ، بما كان يرهف الحدّ لهم ، ويشدّ وطأته عليهم ؛ فأجابوه إلى الانحراف عنه ، وخرج السّلطان أبو عبد الله يروم مدافعته ، ونزل جبل ليزو (٢) معتصما به ؛ فبيّته السّلطان أبو العبّاس في عساكره وجموع الأعراب من أولاد محمد بن رياح بمكانه ذلك ، بإغراء ابن صخر وقبائل سدويكش. (٣) وكبسه في مخيّمه وركض هاربا ، فلحقه وقتله ، وسار إلى البلد بمواعده أهلها. وجاءني الخبر بذلك ، وأنا مقيم بقصبة السّلطان وقصوره ، وطلب مني جماعة من أهل البلد القيام بالأمر ، والبيعة لبعض الصّبيان من أبناء السّلطان ، فتفاديت من ذلك ، وخرجت إلى السّلطان أبي العبّاس ، فأكرمني وحباني ، وأمكنته من بلده ، وأجرى أحوالي كلّها على معهودها. وكثرت السعاية عنده فيّ ، والتّحذير من مكاني. وشعرت بذلك ، فطلبت الإذن في الانصراف بعهد كان منه في ذلك ، فأذن لي بعد لأي (٤) ؛ وخرجت إلى العرب ، ونزلت على يعقوب بن علي. ثم بدا للسّلطان في أمري ، وقبض على أخي ، واعتقله ببونة ؛ وكبس بيوتنا يظنّ بها ذخيرة وأموالا ، فأخفق ظنّه. ثم ارتحلت من أحياء يعقوب بن علي ، وقصدت بسكرة ، (٥) لصحابة بيني
__________________
(١) الزيادة عن ش.
(٢) جبل بضواحي مدينة بجاية. انظر بغية الرواد ليحيى ابن خلدون ٢ / ١٧.
(٣) عرفت هذه القبائل بهذا الاسم منذ القديم ، وديارها في مواطن كتامة ، في البسائط الواقعة بين قسنطينة ، وبجاية. وانظر العبر ٦ / ١٤٩.
(٤) بعد إبطاء.
(٥) بسكرةBiskra) عرضها الشمالي ١٥ ـ ٣٤ وطولها الشرقي ١٥ ـ ٥). ضبطها ابن خلدون ، بالحركات ، بفتح الباء والكاف ، بينهما سين ساكنة ، ثم راء مفتوحة بعدها هاء تأنيث. وهو ضبط حكاه ياقوت في معجم البلدان ، وصاحب تاج العروس ، كما حكيا أن هناك من يضبطها بكسر الباء والكاف. وهي بلد بالجزائر كانت قاعدة بلاد الزاب. انظر ياقوت ٢ / ١٨٢ ، التاج ٣ / ٤٣ ، بغية الرواد ٢ / ١٨٣.