وانحجر أبو العبّاس بالبلد في شرذمة من الجند ، أعجله السّلطان أبو حمّو عن استيعاب الحشد ، ودافع أهل البلد أحسن الدفاع. وبعث السّلطان أبو العبّاس عن أبي زيّان بن السّلطان أبي سعيد عم أبي حمّو من قسنطينة ، كان معتقلا بها ، وأمر مولاه وقائد عسكره بشيرا (١) أن يخرج معه في العساكر ، وساروا حتى نزلوا بني (٢) عبد الجبار قبالة معسكر أبي حمّو ، وكانت رجالات زغبة قد وجموا من السّلطان ، وأبلغهم النذير أنّه إن ملك بجاية اعتقلهم بها ، فراسلوا أبا زيان ، وركبوا إليه ، واعتقدوا معه. وخرج رجّل البلد بعض الأيام من أعلى الحصن ، ودفعوا شرذمة كانت مجمّرة إزاءهم ، فاقتلعوا خباءهم ، وأسهلوا من تلك العقبة إلى بسيط الرّشّة. وعاينهم العرب بأقصى مكانهم من المعسكر فأجفلوا ، وتتابع الناس في الانجفال حتى أفردوا السّلطان في مخيّمه ، فحمل رواحله وسار ، وكضّت (٣) الطرق بزحامهم ، وتراكموا بعض على بعض ، فهلك منهم عوالم ، وأخذهم سكان الجبال من البربر بالنّهب من كلّ ناحية ، وقد غشيهم الليل ، فتركوا أزودتهم ورحالهم. وخلص السّلطان ومن خلص منهم بعد عصب الرّيق ، (٤) وأصبحوا على منجاة. وقذفت بهم الطرق من كلّ ناحية إلى تلمسان ، وكان السّلطان أبو حمّو قد بلغه خروجي من بجاية ، وما أحدثه السّلطان بعدي في أخي وأهلي ومخلّفي ، فكتب إليّ يستقدمني قبل هذه الواقعة. وكانت الأمور قد اشتبهت ، فتفاديت بالأعذار ، وأقمت بأحياء يعقوب بن علي ، ثم ارتحلت إلى بسكرة ، فأقمت بها عند أميرها أحمد بن يوسف بن مزنى. فلمّا وصل السّلطان أبو حمّو إلى تلمسان ، وقد جزع للواقعة ، أخذ في استئلاف قبائل رياح ، ليجلب بهم مع عساكره على أوطان بجاية ، وخاطبني في ذلك لقرب عهدي باستتباعهم ، وملك زمامهم ، ورأى أن يعوّل عليّ في ذلك ،
__________________
(١) لبشير هذا ذكر في العبر ٧ / ١٢٩.
(٢) في بغية الرواد : «وابن عمه أبو زيان بن السّلطان أبي سعيد مطلّ عليه من جبل بني عبد الجبّار» ، ولعله أوضح.
(٣) كذا بالأصول ؛ ويريد اكتظت بالظاء.
(٤) عصب الريق : بفيه : إذا يبس عليه.