السّلطان أبي حمّو كالنائب عنّي في الوظيفة ، متفاديا عن تجشّم أهوالها ، بما كنت نزعت عن غواية الرّتب. وطال عليّ إغفال العلم ، فأعرضت عن الخوض في أحوال الملوك ، وبعثت الهمّة على المطالعة والتّدريس ، فوصل إليه الأخ ، فاستكفى به في ذلك ، ودفعه إليه.
ووصلني مع هذه الكتب السّلطانيّة كتاب رسالة من الوزير أبي عبد الله بن الخطيب من غرناطة يتشوّق إليّ ، وتأدّى إلى تلمسان على يد سفراء السّلطان ابن الأحمر ، فبعث إليّ به من هنالك ونصّه :
بنفسي وما نفسي عليّ بهينة |
|
فينزلني عنها المكاس (١) بأثمان |
حبيب نأى عنّي وصمّ لأنّتي |
|
وراش (٢) سهام البين عمدا فأصماني(٣) |
وقد كان همّ الشّيب ـ لا كان ـ كافيا |
|
فد أدّني (٤) لمّا ترحّل همّان |
شرعت له من دمع عيني مواردا |
|
فكدّر شربي بالفراق وأظماني |
وأرعيته من حسن عهدي جميمه (٥) |
|
فأجدب آمالي وأوحش أزماني |
حلفت على ما عنده لي من رضى |
|
قياسا بما عندي فأحنث أيماني |
__________________
(١) المكاس : المماكسة ، والمشاحّة في الثمن عند التبايع.
(٢) راش السهم : ألصق به الريش.
(٣) أصمي الصيد : رماه فقتله في مكانه.
(٤) أدّني همّان : دهاني همّان.
(٥) الجميم ، والجم : الكثير من كل شيء ، والنبت الذي طال حتى صار مثل جمة الشعر.