ولا يختلف ابن تاويت في إيثاره الهجرة إلى المشرق على البقاء في المغرب عن ابن خلدون نفسه الذي اكتشف أن الإقامة بالمغرب باتت مستحيلة بسبب القلاقل السياسية ، وفي عام ٧٨٤ ه ١٣٨٢ تعلل بالحج وغادر المغرب إلى غير رجعه.
وإن كان ابن خلدون قد صرف السنوات الأخيرة من عمره في القاهرة متقلبا في المناصب الفقهية والسياسية ، قبل أن ينقطع نهائيا إلى الفيوم ويتوفى هناك سنة ٨٠٨ ه ١٤٠٥ ، فإن ابن تاويت أمضى سنواته الأخيرة عالما منقطعا إلى العلم في استانبول حيث توفي ودفن هناك.
IV
ينبّهنا ابن تاويت إلى مسألة بالغة الأهمية ، ولعلّها أن تكون من بين دوافع صاحب «المقدمة» لكتابة التعريف بنفسه ، مفادها أن «رأي ابن خلدون في نفسه ، ورأي معاصريه فيه ، بمصر بوجه خاص ، لا يكادان يلتقيان». ولا يتوقف ابن تاويت عند هذه المسألة فيتوسّع فيها ، لكنّه يكتفي بالإشارة. إنما يمكن للقارىء أن يفيد من ملاحظات المحقّق في هوامش الكتاب بصدد بعض الحوادث والمواقف التي عرضت لابن خلدون ، فذكرها على نحو ، وأوردها غيره من المؤرخين المعاصرين له على نحو مختلف.
V
المتتبّع لمسار رحلة ابن خلدون يكتشف أنها تنقسم ، بالضرورة إلى قسمين كبيرين ، الأول : رحلاته في بلاد المغرب (تونس ، الجزائر ، الأندلس ، المغرب الأقصى) ، والثاني : رحلته المشرقية. ففي أول سنة ٧٥٣ ه كان انطلاقه من تونس وصولا إلى مدن وأماكن شتى في الجزائر ، فزار بلاد هوارة ، أوبّة ، تبسّة ، قفصة ، بسكرة ، البطحاء ، بجاية. ثم نحو الأندلس عبر سبتة ، فرضة المجاز ، جبل الفتح ، فغرناطة ، وإشبيلية ، وإلبيرة ، ساحل المرية ، حيث كان هناك في منتصف سنة ٧٦٦.
ثم العودة عبر الطريق نفسها ، مرورا ببجاية ، أحياء يعقوب بن علي. ليرتحل إلى بسكرة ثانية ، ثم نراه يتجول بين القطفا ، المسيلة ، الزّاب ، البطحاء ، هنين ، وصولا