وإن تشوّفت لحال المحبّ تلك السّيادة الفذّة ، والبنوة البرّة ، فالحال الحال ، من جعل الزمام بيد القدر ، والسير في مهيع الغفلة ، والسّبح في تيار الشّواغل ، ومن وراء الأمور غيب محجوب ، وأمل مكتوب ، نؤمّل فيه عادة السّتر من الله ، إلا أن الضّجر الذي تعلمونه ، حفّضه اليأس لمّا عجزت الحلة ، وأعوز المناص (١) وسدّت المذاهب ، والشّأن اليوم شأن النّاس فيما يقرب من الاعتدال.
وفيما يرجع إلى السّلطان ـ تولاه الله ـ ، على أضعاف ما باشر سيدي من الإغياء (٢) في البرّ ووصل سبب الالتحام ، والاشتمال ، مع الاستقلال ، وما ينتجه متعوّد الظهور ، والحمد لله.
وفيما يرجع إلى الأحباب والأولاد ، فعلى ما علمت ، إلا أنّ الشّوق مخامر القلوب ، وتصوّر اللقاء مما يزهّد في الوطن وحاضر النّعم. سنّى (٣) الله ذلك على أفضل حال ، ويسّره قبل الارتحال ، عن دار المحال. (٤)
وفيما يرجع إلى الوطن ، فأحلام النائم خصبا ، وهدنة وظهورا على العدو ، وحسبك بافتتاح حصن آشر ، (٥) وبرغه (٦) القاطعة بين بلاد الإسلام ،
__________________
(١) المناص : المهرب ، والملجأ ، والمفر.
(٢) أغيا الرجل : بلغ الغاية في الشرف.
(٣) سنّى : سهل.
(٤) المحال : العذاب ، والهلاك.
(٥) حصن آشر (٩ iznajar) عرضه الشمالي ١٤ ـ ٣٧ ، وطوله الغربي ٢٠ ـ ٤) : حصن حسن حصين آهل ؛ يقع في الجنوب الشرقي لحصن روطة (Rute) ، وفي الشمالي الغربي للمدينة المسمّاة بمعادن الملح (las Salinas) ، وهو على ضفة أحد فروع وادي ضنيل (jenil) في نقطة الالتقاء بين حدود المقاطعات الثلاث : غرناطة ، وقرطبة ، وإشبيلية. وانظر وصف إفريقية والأندلس للإدريسي ص ٢٠٤ ، والترجمة الفرنسية له ص ٢٥٢.
(٦) برغه (Burgo) عرضها الشمالي ٤٤ ـ ٣٦ ، وطولها الغربي ٥) : مدينة واقعة في مرتفع بين مدينتي مالقة ورندة ؛ وكانت قاعدة للنصارى يغزون منها مدينة رندة وأحوازها. جاء في بغية الرواد ٢ / ١٧٨ من رسالة لابن الخطيب : «.... أمرنا أهل الجهة الغربية ، ومالقة ، ورندة بمنازلة مدينة برغه ؛ الشجا الذي أعيا الطبيب وأوهن الثغر القريب ، وصير رندة وأحوازها ، لا يطرقها إلا الطيف ..».