والإكباب على اختصار كتاب «التّاج» (١) للجوهري ، (٢) وردّ حجمه إلى مقدار الخمس ، مع حفظ ترتبيه السّهل ؛ والله المعين على مشغلة تقطع بها هذه البرهة القريبة البداءة من التّتمّة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والمطلوب المثابرة على تعريف يصل من تلك السيادة والنبوّة ، إذ لا يتعذّر وجود قافل من حجّ ، أو لاحق بتلمسان. يبعثها السيد الشريف منها ؛ فالنفس شديدة التعطّش ، والقلوب قد بلغت ـ من الشّوق والاستطلاع ـ الحناجر.
والله أسأل أن يصون في البعد وديعتي منك لديه ، ويلبسك العافية ، ويخلّصك وإياي من الورطة ، ويحملنا أجمعين على الجادّة ، ويختم لنا بالسّعادة. والسّلام الكريم عودا على بدء ، ورحمة الله وبركاته ، من المحبّ المتشوّق ، الذّاكر الدّاعي ، ابن الخطيب. في الثاني من جمادى الأولى من عام تسعة وستّين وسبعمائة. انتهى.
فأجبته عن هذه المخاطبات ، وتفاديت من السّجع خشية القصور عن مساجلته ، فلم يكن شأوه يلحق. ونصّ الجواب :
سيّدي مجدا وعلوا ، وواحدي ذخرا مرجوا ، ومحلّ والدي برّا وحنوّا. ما زال الشوق ـ مذ نأت بي وبك الدار ، واستحكم بيننا البعاد ـ يرعي سمعي أنباءك ، ويخيّل إليّ من أيدي الرياح تناول رسائلك ، حتى ورد كتابك العزيز على استطلاع ، وعهد غير مضاع ، وودّ في أجناس وأنواع ، فنشر بقلبي ميت السّلو ، وحشر أنواع المسرّات ، وقدح للقائك زناد الأمل ، ومن الله أسأل الإمتاع بك قبل الفوت على ما يرضيك ، ويسني أمانيّ وأمانيك. وحيّيته تحيّة الهائم ، لمواقع الغمائم ، والمدلج ، (٣)
__________________
(١) هو كتاب «تاج اللغة ، وصحاح العربية» ، وقد طبع ببولاق سنة ١٢٨٢ ه ولم يذكر صاحب نفح الطيب هذا المختصر ـ الذي يتحدث عنه ابن الخطيب هنا ـ بين مؤلفات ابن الخطيب.
(٢) هو أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري المتوفى سنة ٣٦٣ أو ٤٠٠. شافه العرب العاربة في ديارهم بالبادية ، بعد ما درس اللغة بالعراق رواية ودراية ، ثم التزم ذكر الصحيح مما سمع ، فكتب «الصحاح».
وهو لهذا كله لا يزال يتبوأ المكانة الأولى بين معاجم العربية.
انظر البغية ص ١٩٥ ، تاج العروس ١ / ٢١ ، ٢٣.
(٣) أدلج : سار الليل كله.