شكوى الغريب ، من السوق المزعج ، والحيرة التي تكاد تذهب بالنفس أسفا ، للتجافي عن مهاد الأمن ، والتقويض عن دار العزّ ، بين المولى المنعم ، والسيد الكريم ، والبلد الطيب ، والإخوان البررة ، [ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير]. (١) وإن تشوّفت السيادة الكريمة إلى الحال ، فعلى ما علمتم ، سيرا مع الأمل ، ومغالبة للأيام على الحظّ ، وإقطاعا للغفلة جانب العمر :
هل نافعي والجدّ في صبب |
|
مرّي مع الآمال في صعد |
رجع الله بنا إليه. ولعلّ في عظتكم النافعة ، شفاء هذا الدّاء العياء إن شاء الله ، على أنّ لطف الله مصاحب ، وجوار هذه الرياسة المزنية ـ وحسبك بها علمية ـ عصمة وافية (٢) صرفت وجه القصد إلى ذخيرتي التي كنت أعتدّها منهم كما علمتم ، على حين تفاقم الخطب ، وتلوّن الدهر ، والإفلات من مظانّ النّكبة ، وقد رتعت (٣) حولها ، بعد ما جرّته الحادثة بمهلك السّلطان المرحوم على يد ابن عمّه ، قريعه في الملك ، وقسيمه في النّسب ، والتياث الجاه ، (٤) وتغيّر السّلطان ، واعتقال الأخ المخلّف ، واليأس منه ، لو لا تكييف الله في نجائه ، (٥) والعيث بعده في المنزل والولد ، واغتصاب الضيّاع (٦) المقتناة من بقايا ما متّعت به الدولة النّصرية ـ أبقاها الله ـ من النّعمة ؛ فآوى إلى الوكر ، (٧) وساهم في الحادث ، وأشرك في الجاه والمال ، وأعان على نوائب الدهر ، وطلب الوتر ، (٨) حتى رأى الدّهر مكاني ، وأمّل
__________________
(١) آية ١٨٨ من سورة الأعراف.
(٢) وافية : بالغة تمام الكمال.
(٣) طفت بها ، ودرت حولها ؛ وفي الحديث : «إنه من يرتع حول الحمى يوشك أن يخالطه».
(٤) التاث : تلطخ ؛ والتياث : عطف على «ما جرته».
(٥) النجاء : النجاة ، وهو المصدر الممدود لنجا ، والمقصور نجاة.
(٦) جمع ضيعة ؛ وهي العقار.
(٧) وكر الطائر : عشه ، والكلام على التشبيه.
(٨) طلب الثأر.