الملوك استخلاصي ، وتجاروا في إتحافي. والله المخلّص من عقال الآمال ، والمرشد إلى نبذ هذه الحظوظ المورّطة.
وأنبأني سيّدي بما صدر عنه من التصانيف الغريبة ، والرسائل البليغة ، في هذه الفتوحات الجليلة ، وبودّي لو وقع الإتحاف بها أو بعضها ، فلقد عاودني النّدم على ما فرّطت.
وأما أخبار هذا القطر فلا زيادة على ما علمتم ، من استقرار السّلطان أبي إسحق ابن السّلطان أبي يحيى (١) بتونس مستبدا بأمره بالحضرة بعد مهلك شيخ الموحدين أبي محمد بن تافراكين القائم بأمره ، رحمة الله عليه ، مضايقا في جبابة الوطن ، وأحكامه بالعرب المستظهرين بدعوته ، مصانعا لهم بوفره على أمان الرّعايا والسابلة ، (٢) لو أمكن ، حسن السياسة جهد الوقت ، ومن انتظام بجاية محل دولتنا في أمر صاحب قسنطينة وبونة ، غلابا كما علمتم ، محمّلا الدولة بصرامته وقوة شكيمته فوق طوقها ، من الاستبداد والضرب على أيدي المستغلّين من الأعراب ، منتقض الطاعة أكثر أوقاته لذلك ، إلا ما شمل البلاد من تغلّب العرب ، ونقص الأرض من الأطراف والوسط ، وخمود ذبال الدول في كل جهة ، وكلّ بداية فإلى تمام.
وأما أخبار المغرب الأقصى والأدنى فلديكم طلعه ، (٣) وأما المشرق فأخبار الحاجّ هذه السنة من اختلاله ، وانتقاض سلطانه ، وانتزاء الجفاة على كرسيّه ، وفساد المصانع والسّقايات المعدّة لوفد الله وحاجّ بيته ، ما يسخن العين ويطيل البثّ ، حتى لزعموا أن الهيعة (٤) اتّصلت بالقاهرة أياما ، وكثر الهرج (٥) في طرقاتها وأسواقها ،
__________________
(١) انظر العبر ٦ / ٣٧٣ وما بعدها.
(٢) السابلة : الطريق.
(٣) يقال أطلعته طلعى ؛ أي أبثثته سرى.
(٤) الهيعة : كل ما أفزعك من صوت ؛ والصوت الشديد.
(٥) الهرج : الفتنة والاختلاط.