عن المسلمين جزاءه.
وكتب إلي من غرناطة :
يا سيّدي ووليّي ، وأخي ومحلّ ولدي! كان الله لكم حيث كنتم ، ولا أعدمكم لطفه وعنايته. لو كان مستقرّكم بحيث يتأتّى لي إليه ترديد رسول ، أو إيفاد متطلّع ، أو توجيه نائب ، لرجعت على نفسي باللائمة في إغفال حقّكم ، ولكنّ العذر ما علمتم ، واحمدوا الله على الاستقرار في كهف ذلك الفاضل الذي وسعكم كنفه. وشملكم فضله شكر الله حسبه الذي لم يخلف ، وشهرته التي لم تكذب.
وإنّي اغتنمت سفر هذا الشيخ ، وافد الحرمين بمجموع الفتوح ، (١) في إيصال كتابي هذا ، وبودّي لو وقفتم على ما لديه من البضاعة التي أنتم رئيسها وصدرها ، فيكون لكم في ذلك بعض أنس ، وربّما تأدّى ذلك في بعضه ممّا لم يختم عليه ، وظاهر الأمور نحيل عليه في تعريفكم بها ، وأما البواطن فممّا لا يتأتّى كثرة وضنانة ، وأخصّ ، بالصاد ، ما أظن تشوّفكم إليه حالي. فاعلوا أنّي قد بلغ بي الماء الزّبى ، (٢) واستولى علي سوء المزاج المنحرف ، وتوالت الأمراض ، وأعوز العلاج ، لبقاء السبب ، والعجز عن دفعه. وهي هذه المداخلة جعل الله العاقبة فيها إلى خير ؛ ولم أترك وجها من وجوه الحيلة إلا بذلته. فما أغنى ذلك عنّي شيئا ، ولو لا أنني بعدكم شغلت الفكر بهذر التأليف ، مع الزّهد ، وبعد العهد ، وعدم الإلماع بمطالعة الكتب ، لم يتمشّ حالي من طريق فساد الفكر إلى هذا الحد ، وآخر ما صدر عنّي كنّاش (٣) سميته
__________________
(١) كانت عادتهم أن يبعثوا بأخبار فتوحهم ، وتوسعاتهم التي تحصل في كل سنة ، وفي عهد كل ملك ، يبعثون بها إلى الملوك المعاصرين عامة ، وإلى الحرم النبوي بوجه خاص. وإلى هذا يشير ابن الخطيب.
(٢) الزبى : جمع زبية ؛ وهي الرابية التي لا يعلوها الماء ، فإذا بلغها السيل كان جارفا مجحفا. وهو مثل يضرب للشيء يتجاوز الحد ويتفاقم. مجمع الأمثال ١ / ٦٠ ، لسان (زبى).
(٣) الكناش : الدفتر تقيد فيه الفوائد والشوارد للضبط ، يستعمله المغاربة كثيرا إلى اليوم. وانظر تاج العروس ٤ / ٣٤٧.