ثم إن السّلطان أبا حمّو لم يزل معتملا في الإجلاب على بجاية. واستئلاف قبائل رياح (١) لذلك ، ومعوّلا على مشايعتي فيه ، ووصل يده مع ذلك بالسّلطان أبي إسحاق ابن السّلطان أبي بكر صاحب تونس من بني أبي حفص ، لما كان بينه وبين أبي العباس (٢) صاحب بجاية وقسنطينة ، وهو ابن أخيه ، من العداوة التي تقتضيها مقاسمة النسب والملك ، وكان يوفد رسله عليه في كل وقت ، ويمرون بي ، وأنا ببسكرة ، فأؤكد الوصلة (٣) بمخاطبة كل منهما ، وكان أبو زيّان (٤) ابن عم السّلطان أبي حمّو بعد إجفاله عن بجاية ، واختلال معسكره ، قد سار في أثره إلى تلمسان ، وأجلب على نواحيها ، فلم يظفر بشيء ، وعاد إلى بلاد حصين ، فأقام بينهم ، واشتملوا عليه ، ونجم (٥) النفاق في سائر أعمال المغرب الأوسط ، واختلف أحياء زغبة على السّلطان ، وانتبذ الكثير عنه إلى القفر. ولم يزل يستألفهم حتى اجتمع له الكثير منهم ، فخرج في عساكره في منتصف تسع وستين (٦) إلى حصين وأبي زيّان ، واعتصموا بجبل تيطري ، (٧) وبعث إليّ في استنفار الدّواودة للأخذ بحجزتهم (٨) من جهة الصحراء ، وكتب يستدعي أشياخهم : يعقوب بن علي كبير
__________________
(١) هم من أعز قبائل بني هلال ، وأكثرهم جمعا. وقد أطال ابن خلدون القول في قبائل رياح ، وما كان لها من الأحداث في المغرب في العبر ٦ / ٣١ ـ ٤٠.
(٢) هو أبو العباس بن أبي عبد الله بن أبي بكر. انظر بعض أخباره في العبر ٦ / ٣٦٩ ـ ٣٧٠.
(٣) الوصلة (بالضم) : الاتصال ، وكل ما اتصل بشيء ، فالذي بينهما وصلة.
(٤) أبو زيان ؛ هو محمد بن السّلطان أبي سعيد عثمان بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن.
وانظر أخباره في العبر ٧ / ١٢٥ ـ ١٣٩ ، وبغية الرواد ٢ / ١٨٤ ، ١٨٥ ، والاستقصا ٢ / ١٣٨ وما بعدها.
(٥) نجم : طلع وظهر.
(٦) انظر تفصيل هذه الحوادث في بغية الرواد ٢ / ١٩٩ سنة ٧٦٩.
(٧) هو جبل أشير الذي كانت فيه المدينة (أشير) ؛ وقد بنى زيرى بن مناد الضنهاجي ، حيث أسس مدينة أشير ، في هذا الجبل حصنا حصينا ، وصفه يحيى بن خلدون في بغية الرواد ٢ / ١٨٥ بقوله :
«معقل تيطرى المشهور الحصانة ، الآخذ من الصحراء والتل ، والمزاحم بمناكبه السحاب». وانظر العبر ٦ / ٦٤.
(٨) الحجزة «بالضم» : معقد الإزار.