متتالية أمام الوزير أبي بكر بن غازي ، قد دلّ بهم الطريق وفد أولاد سباع الذين بعثتهم من المسيلة ؛ فلما أشرفوا على المخيّم ، أغاروا عليه مع غروب الشمس ، فأجفل بنو عامر ، وانتهب مخيّم السّلطان أبي حمّو ورحائله وأمواله. ونجا بنفسه تحت الليل ، وتمزّق شمل ولده وحرمه ، حتى خلصوا إليه بعد أيام ، واجتمعوا بقصور مصاب (١) من بلاد الصحراء وامتلأت أيدي العساكر والعرب من نهابهم. وانطلق محمد بن عريف في تلك العيهة. أطلقه الموكلون به ، وجاء إلى الوزير وأخيه ونزمار ، وتلقّوه بما يجب له. وأقام الوزير أبو بكر بن غازي على الدّوسن أياما أراح فيها. وبعث إليه ابن مزنى بطاعته ، وأرغد له من الزاد والعلوفة ، (٢) وارتحل راجعا إلى المغرب ، وتخلّفت بعده أياما عند أهلي ببسكرة. ثم ارتحلت إلى السّلطان في وفد عظيم من الدّواودة ، يقدمهم أبو دينار (٣) أخو يعقوب بن علي ، وجماعة من أعيانهم ، فسابقنا الوزير إلى تلمسان ، وقدمنا على السّلطان ، فوسعنا من حبائه (٤) وتكرمته ، ونزله ما بعد العهد بمثله. ثم جاء من بعدنا الوزير أبو بكر بن غازي على الصحراء ، بعد أن مرّ بقصور بني عامر (٥) هنالك فخرّبها ، وكان يوم قدومه على السّلطان يوما مشهودا ، وأذن بعدها لوفود الدّواودة بالانصراف إلى بلادهم. وقد كان ينتظر بهم قدوم الوزير ، ووليّه ونزمار بن عريف ، فودّعوه ، وبالغ في الإحسان إليهم ، وانصرفوا إلى بلادهم. ثم أعمل نظره في إخراج أبي زيّان من بين أحياء الدّواودة لما خشي من رجوعه إلى حصين ، فوامرني
__________________
(١) رسمه على قاعدته ، التي قررها صدر المقدمة ، بصورة صاد وسطها زاي ، إشارة إلى أن الصادي تنطق مشمة بالزاي ؛ ومكان قصور مصاب جنوب المكان المسمى : Laghuat ، وشمال Ghardaia بالجزائر ، وأظن أنها كانت تقع على الوادي المسمى.W.Nessa
(٢) العلوفة (بالضم) : العلف.
(٣) هو أبو دينار يعقوب بن علي بن أحمد ؛ شيخ قبائل رياح. له في الأحداث السياسية بالمغرب في هذا العهد الآثار البعيدة المدى. انظر بغية الرواد ٢ / ٢٠١ ، ١١٣ ، والعبر ٧ / ٣٣٠.
(٤) الحباء (بالكسر) : العطاء.
(٥) كانت هذه القصور كما يفهم من حديث ابن خلدون عنها ـ بالصحراء ، في جهة القبلة من الجبل المسمّى بجبل راشد. وانظر العبر ٧ / ١٣٣ ، ٣٢٩.