في ذلك ، وأطلقني إليهم في محاولة انصرافه عنهم ، فانطلقت لذلك ؛ وكان أحياء حصين قد توجّسوا الخيفة من السّلطان وتنكّروا له ، وانصرفوا إلى أهلهم بعد مرجعهم من غزاتهممع الوزير ، وبادروا باستدعاء أبي زيّان من مكانه عند أولاد يحيى (١) بن علي ، وأنزلوه بينهم ، واشتملوا عليه ، وعادوا إلى الخلاف الذي كانوا عليه أيام أبي حمّو ، واشتعل المغرب الأوسط نارا. ونجم صبيّ من بيت الملك في مغراوة ، وهو حمزة ابن علي بن راشد (٢) ؛ فرّ من معسكر الوزير ابن غازي أيام مقامه عليها فاستولى على شلف ، وبلاد قومه. (٣) وبعث السّلطان وزيره عمر بن مسعود (٤) في العساكر لمنازلته ، وأعيا داؤه ، وانقطعت أنا ببسكرة ، وحال ذلك ما بيني وبين السّلطان إلا بالكتاب والرسالة. وبلغني في تلك الأيام وأنا ببسكرة مفر الوزير ابن الخطيب من الأندلس ، (٥) وقدومه على السّلطان بتلمسان ، توجّس الخيفة من سلطانه ، بما كان له من الاستبداد عليه ، وكثرة السّعاية من البطانة فيه ، فأعمل الرّحلة إلى الثغور المغربية لمطالعتها بإذن سلطانه ، فلما حاذى جبل الفتح (٦) قفل الفرضة ، (٧) دخل إلى الجبل ، وبيده عهد السّلطان عبد العزيز إلى القائد هنالك
__________________
(١) هم أولاد يحيى بن علي بن سباع من الدواودة. انظر العبر ٧ / ١٣٢.
(٢) هو حمزة بن علي بن راشد من آل ثابت بن منديل ؛ أمير من أمراء مقراوة. كان أبوه علي أميرا ، وجدّه راشد أميرا أيضا ؛ وحارب ملوك بني عبد الواد بني راشد هؤلاء وصالحوهم ؛ وكانت العلاقات بينهم لا تحسن إلا لتسوء من جديد. فثورة حمزة هذه ليست جديدة على هذا البيت. انظر العبر ٧ / ١٣٣ ، ٣٣٠ ، ٣٣١.
(٣) يريد بلاد مغراوة ، ويأتي قوله الصريح في هذا ، وانظر العبر ٧ / ٣٣٠.
(٤) هو عمر بن مسعود بن منديل بن حمامة. انظر العبر ٧ / ٣٣٠.
(٥) قد فصل ابن خلدون الحديث عن مفر ابن الخطيب ، وقدومه إلى تلمسان ، وبيّن الدواعي السياسية التي دفعته إلى الفرار في العبر ٨ / ٣٣٢ ـ ٣٣٦ ، ٧ / ٣٤١ ـ ٣٤٢.
(٦) يريد جبل طارق. وقد تقدم في ص ٨٢ ، ويسمى جبل الفتح ؛ سماه بذلك عبد المؤمن بن علي عاهل الدولة الموحدية ـ حين نزل به قاصدا بلاد الأندلس للجهاد. انظر المعجب للمراكشي ص ١٣٧ وسير النبلاء للذهبي نسخة أحمد الثالث ١٠ / ١٩١٠ أ: ورقة ٢٠٠ ظ ، في ترجمة عبد المؤمن.
(٧) فرضة البحر (بالضم) : محط السفن.