بقبوله. وأجاز البحر من حينه إلى سبتة ، وسار إلى السّلطان بتلمسان ، وقدم عليهما في يوم مشهود ، وتلقّاه السّلطان من الحظوة والتقريب وإدرار النّعم بما لا يعهد مثله. وكتب إليّ من تلمسان يعرّفني بخبره ، ويلمّ ببعض العتاب على ما بلغه من حديثي الأول بالأندلس. ولم يحضرني الآن كتابه ، فكان جوابي عنه ما نصّه :
الحمد لله ولا قوّة إلا بالله ، ولا رادّ لما قضاه الله.
يا سيدي ونعم الذّخر الأبدي ، والعروة الوثقى التي اعتلقتها يدي ، (١) أسلم عليكم سلام القدوم ، على المخدوم ، والخضوع ، للملك المتبوع ، لا بل أحيّيكم تحية المشوق ، للمعشوق ، والمدلج ، (٢) للصباح المتبلّج ، (٣) وأقرّر ما أنتم أعلم بصحيح عقدي في من حبّي لكم ، ومعرفتي بمقداركم ، وذهابي إلى أبعد الغايات في تعظيمكم ، والثّناء عليكم ، والإشادة في الآفاق بمنقاقبكم ، ديدنا (٤) معروفا ، وسجيّة (٥) راسخة ، يعلم الله وكفى به شهيدا ، وبهذا كما في علمكم قسما (٦) ما اختلف لي فيه أول وآخر ، ولا شاهد ولا غائب. وأنتم أعلم بما في نفسي ، وأكبر شهادة (٧) في خفايا ضميري. ولو كنت ذاك ، فقد سلف من حقوقكم ، وجميل أخذكم ، واجتلاب الحظّ ـ لو هيّأه القدر ـ بمساعيكم ، وإيثاري بالمكان من سلطانكم ، ودولتكم ، ما يستلين معاطف القلوب ، ويستل (٨) سخائم
__________________
(١) اعتلق الشيء ، وبه : أحبه ؛ كتعلقه ، وتعلق به.
(٢) أدلج : سار الليل كله ، أو جزءا منه.
(٣) تبلج الصبح : أسفر وأضاء.
(٤) الديدن : العادة.
(٥) السجية : الخلق.
(٦) الكلام على معنى : «وبهذا ، كما في علمكم ، أقسم قسما الخ».
(٧) الشهادة : الحضور ؛ وليس يبعد أن يكون أصل الكلام : «وأكبر شهادة بما في خفايا ضميري» ، فسقطت كلمة «بما» من الأصول.
(٨) استلان الشيء : ألانه. (أساس). ومعاطف القلوب : مثانيها ؛ ومن كلامهم : «رزقك الله عيشا تلين لك مثانيه ومعاطفه». يريد : أسديت إلي من خيرك ما من شأنه أن يصل إلى أعماق القلوب.
(وانظر اللسان (ثنى).