الهواجس ، (١) فأنا أحاشيكم من استشعار نبوة ، (٢) أو إحقاق ظن (٣) ؛ ولو تعلّق بقلب ساق حرّ ذرء وذرء ، (٤) فحاش لله أن يقدح في الخلوص (٥) لكم ، أو يرجع سوابقكم ، (٦) إنما هو خبيئة الفؤاد إلى الحشر أو اللقاء. ووالله وجميع ما يقسم به ، ما اطّلع على مستكنّه مني غير صديقي وصديقكم الملابس ـ كان ـ لي ولكم الحكيم الفاضل العلم أبي عبد الله الشّقوري أعزّه الله. نفثة مصدور ، ومباثة (٧) خلوص ، إذ أنا أعلم الناس بمكانه منكم ، وقد علم ما كان مني حين مفارقة صاحب تلمسان ، واضمحلال أمره ، من إجماع الأمر على الرّحلة إليكم ، والخفوف (٨) إلى حاضرة البحر للإجازة إلى عدوتكم ، تعرّضت فيها للتّهم ، ووقفت بمجال الظنون ، حتّى تورّطت في الهلكة بما ارتفع عنّي مما لم آته ، ولا طويت العقد عليه ، لولا حلم مولانا الخليفة ، وحسن رأيه في وثبات بصيرته ، لكنت في الهالكين الأولين ؛ كل ذلك شوقا إلى لقائكم ، وتمثّلا لأنسكم ، فلا تظنّوا بي الظنون ، ولا تصدّقوا في التّوهّمات ، فأنا من علمتم صداقة ، وسذاجة ، وخلوصا ، واتّفاق ظاهر وباطن ، أثبت الناس عهدا ، وأحفظهم غيبا ، وأعرفهم بوزن الإخوان ومزايا الفضلاء ؛ ولأمر ما تأخّر كتابي من تلمسان فإنّي كنت أستشعر ممن استضافني ريبا بخطاب
__________________
(١) السخائم : الضغائن ، والموجدة في النفس. والهواجس الخواطر.
(٢) أحاشيكم : أنزهكم. واستشعار النبوة : إضمارها. والنبوة : الجفوة.
(٣) يقول : إني أجلّكم أن تصدقوا في الظنون ، فتحولوها إلى يقين ثابت وحقيقة واقعة.
(٤) ساق حر : ذكر القمارى ، ومن خلقه الوفاء. وبلغني ذرء من خبر : قليل منه. وأرجو أن يكون المعنى : إن وفائي لك بحيث لا تلحقه الريبة ، ولو جاز أن يتعلق بقلب ساق حر ، وقد سار المثل بوفائه ، قليل جدا من عدم الوفاء ، فمعاذ الله أن يتعلّق بقلبي هذا القليل فيقدح في حفظي لعهد الأخوة.
(٥) خلص الشيء خلوصا : صار خالصا ، ويستعمله ابن خلدون بمعنى الإخلاص.
(٦) جمع سابقة ؛ وهي ما تسبق الناس إليه. يريد : أياديكم التي أسديتموها إلي.
(٧) المباثة : مصدر ميمي بمعنى البث ؛ وهو أن تظهر لغيرك ما عندك من سر.
(٨) الخفوف : سرعة السير.