سواه ، خصوصا جهتكم ، لقديم ما بين الدولتين من الاتحاد والمظاهرة واتصال اليد ، مع أن الرّسول تردّد إليّ ، وأعلمني اهتمامكم واهتمام السّلطان ، تولاه الله ، باستكشاف ما انبهم (١) من حالي ؛ فلم أترك شيئا مما أعلم تشوّفكم إليه إلا وكشفت له قناعه ، وأمّنته على بلاغه (٢) ؛ ولم أزل بعد انتياش (٣) مولانا الخليفة لذمائي ، وجذبه بضبعيّ (٤) سابحا في تيار الشواغل كما علمتم القاطعة حتى عن الفكر.
وسقطت إليّ بمحل خدمتي من هذه القاصية أخبار خلوصكم (٥) إلى المغرب ، قبل وصول راجلي (٦) إلى الحضرة ، غير جلية ولا ملتئمة ولم يتعيّن ملقى العصا ولا مستقرّ النوى ، (٧) فأرجيت (٨) الخطاب إلى استجلائها ؛ وأفدت (٩) في كتابكم العزيز عليّ ، الجاري على سنن الفضل ، ومذهب المجد ، غريب ما كيّفه القدر من تنويع الحال لديكم ؛ وعجبت من تأتّي (١٠) أملكم الشارد فيه كما كنّا نستبعده عند المفاوضة ؛ فحمدت الله لكم على الخلاص من ورطة الدول على أحسن الوجوه ، وأجمل المخارج الحميدة العواقب في الدنيا والدين ، العائدة بحسن المآل في المخلّف :
__________________
(١) في الأصلين : «أبهم» ، وكتب بخطه في حاشية أصل أياصوفية : «انبهم» ، ووضع عليها علامتي البدلية والصحة : «ب» و «صح».
وقد تبع النحاة في استعمال «انبهم» ؛ ولم يسمع من العرب. والصواب استبهم. وانظر تاج العروس (بهم).
(٢) البلاغ : الإبلاغ ؛ وفي القرآن : «فهل على الرسل إلا البلاغ المبين».
(٣) الانتياش : الإنقاذ من الهلكة.
(٤) الضبع : العضد ؛ وأخذ بضبعيه : أي بعضديه.
(٥) خلص إليه : وصل إليه.
(٦) الراجل : خلاف الفارس ؛ وهو من ليس له ظهر يركبه في سفره.
(٧) مستقر النوى : مكان الإقامة ؛ يقال : استقرت نواهم : أي أقاموا.
(٨) أرجيت ، وأرجأت : أخرت. يهمز ولا يهمز.
(٩) أفدت : استفدت.
(١٠) تأتي الأمر : تهيأ ؛ والتأتي التهيؤ.