داعيا لكم. وإن فسح الله في الأمد ، وقضى الحاجة ، فأملى العودة إلى ولدي وتربتي ، وإن قطع الأجل ، فأرجو أن أكون ممّن وقع أجره على الله. (١)
فإن كان تصرفي صوابا ، وجاريا على السداد ، فلا يلام من أصاب ، وإن كان عن حمق ، وفساد عقل ، فلا يلام من اختلّ عقله ، وفسد مزاجه ، بل يعذر ، ويشفق عليه ، ويرحم ، وإن لم يعط مولاي أمري حقّه من العدل ، وجلبت الذّنوب ، وحشرت بعدي العيوب ، فحياؤه وتناصفه ينكر ذلك ، ويستحضر الحسنات ، من الترّبية والتعليم وخدمة السلف وتخليد الآثار وتسمية الولد وتلقيب السّلطان ، والإرشاد للأعمال الصّالحة والمداخة والملابسة ، لم يتخلّل ذلك قطّ خيانة في مال ولا سرّ ، ولا غشّ في تدبير. ولا تعلّق به عار ، ولا كدّره نقص ، ولا حمل عليه خوف منكم ، ولا طمع فيما بيدكم ، فإن لم تكن هذه دواعي الرّعي والوصلة والإبقاء ، ففيم تكون بين بني آدم.
وأنا قد رحلت. فلا أوصيكم بمال ، فهو عندي أهون متروك ، ولا بولد فهم رجالكم ، وخدّامكم ، وممّن يحرص مثلكم على الاستكثار منهم ، ولا بعيال ، فهي من مربيات بيتكم ، وخواصّ داركم ؛ إنّما أوصيكم بحظّي العزيز ـ كان ـ عليّ بوطنكم ، وهو أنتم ، فأنا أوصيكم بكم ، فارعوني فيكم خاصّة ، أوصيكم بتقوى الله ، والعمل لغد ، وقبض عنان اللهو في موطن الجدّ ، والحياء من الله الذي محّص وأقال ، وأعاد النعمة بعد زوالها (٢) «لينظر كيف تعملون». (٣) وأطلب منكم عوض ما وفّرته عليكم ، من زاد طريق ، ومكافأة ، وإعانة ، زادا سهلا عليكم ، وهو أن تقولوا لي : غفر الله لك ما ضيّعت من حقّي خطأ أو عمدا ؛ وإذا فعلتم ذلك فقد رضيت.
واعلموا أيضا على جهة النصيحة أن ابن الخطيب مشهور في كل قطر ، وعند كل
__________________
(١) يشير إلى قول الله تعالى : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) آية ١٠٠ من سورة النساء.
(٢) يشير إلى حادثة خلع ابن الأحمر عن ملكه ، والتجائه إلى بني مرين بالمغرب لإعادة ملكه إليه.
والحديث في ذلك مفصّل في العبر ٧ / ٣٠٦ ـ ٣٠٩ ، ٣٣٣ / ٣٣٤.
(٣) اقتباس من الآية ١٢٩ من سورة الأعراف.