بقوله : «فحدث بين بعض الناس تشاجر في المسجد الجامع ، وأنكر البعض ما وقع من الاستنامة إلى القول (أي الاطمئنان إلى وعود التتار)». وهنا يعبّر ابن خلدون عن خشيته على نفسه من أذى الرافضين الاستسلام. وعلى الأرجح أن المؤرخ لم ينم تلك الليلة ، وفي الفجر سيكون عند السور. يقول : «... وبكّرت سحرا إلى جماعة القضاة عند الباب ، وطلبت الخروج أو التدلّي من السور ، لما حدث عندي من توهّمات ذلك الخبر ، فأبوا عليّ أولا ، ثم أصحوا ، ودلّوني من السّور ، فوجدت بطانته يقصد تيمور ـ عند الباب ، ونائبه الذي عيّنه للولاية على دمشق». وكان هذا التتاريّ يدعى شاه ملك ، يصف ابن خلدون لقاءه به على النحو التالي : «فحيّيتهم وحيّوني ، وفدّيت وفدّوني ، وقدّم لي شاه ملك ، مركوبا ، وبعث معي من بطانة السلطان من أوصلني إليه.». ثم أنزل ابن خلدون في خيمة مجاورة لخيمة تيمور لنك ، إلى أن أذن له بالدخول. فسأله عن سبب وجوده في المشرق ، فأجابه : فرض الحج. ثم سأله عن ظروف تولّيه القضاء المالكي في مصر ، فأجابه عن سؤاله ، وعند ما سأله عن ابنه ، وعرف منه أنه كاتب للملك الأعظم في المغرب الجواني ، إذ ذاك سأله تيمور عن المغرب ، وعن موقع طنجة وسبتة وفاس وسجلماسة ، فحدّدها له. لكن تيمور عاد فطلب منه أن يضع كتابا حول بلاد المغرب يحدّد له فيه أقاصيها وأدانيها وجبالها وأنهارها وقراها وأمصارها حتّى كأنه يشاهدها ، فكتب له مختصرا في جغرافية المغرب يقع في ١٢ من الكراريس ، كما قال. وصار يدخل عليه ، حتى بعد أن اجتاح تيمور المدينة.
أما موضع الخلاف في الرّواية فهو ما كان من طلب ابن خلدون السفر إلى مصر.
يقول العلامة في متن رحلته :
«ثم دخلت عليه يوما آخر فقال لي : أتسافر إلى مصر؟ فقلت أيّدك الله ، رغبتي إنما هي أنت ، وأنت قد آويت وكفلت ، فإن كان السّفر إلى مصر في خدمتك فنعم ، وإلا فلا بغية لي فيه ، فقال لا ، بل تسافر إلى عيالك وأهلك».
ويقابل ابن تاويت هذا المفصل من رواية ابن خلدون برواية من تاريخ ابن شهبة الذي أوردها على النحو التالي : قال تيمور لابن خلدون : «تهيأ حتى تذهب معي إلى بلادي ، فقال له : في مصر من يحبني وأحبه ، ولا بدّ لك من قصد مصر في