نيل نيلك ، (١) أو قلنا هي التي أشار إليها مستصرخ سلفك المستنصر (٢) بقوله : أدرك بخيلك ، (٣) حين شرق بدمعه الشّرق ، (٤) وانهزم الجمع واستولى الفرق ، واتسع فيه ـ والحكم لله ـ الخرق (٥) ورأى إن مقام التوحيد بالمظاهرة على التّثليث ، وحزبه الخبيث ، الأولى والأحقّ.
والآن قد أغنى الله بتلك النّية ، عن اتّخاذ الطّوال الردينيّة ، (٦) وبالدّعاء من تلك المثابة الدينية إلى ربّ البنيّة ، (٧) عن الأمداد السّنيّة والأجواد تخوض بحر الماء إلى بحر المنية ، وعن الجرد العربية ، في مقاود الليوث الأبيّة ، وجدّد برسم هذه الهديّة ، مراسيم العهود الودّية ، والذمم الموحّدية ، لتكون علامة على الأصل ، ومكذّبة لدعوى الوقف والفصل ، وإشعارا بالألفة التي لا تزال ألفها ألف الوصل ، ولأمها حراما على النّصل. (٨)
وحضر بين يدينا رسولكم ، فقرّر من فضلكم ما لا ينكره من عرف علوّ مقداركم ، وأصالة داركم ، وفلك إبداركم ، وقطب مداركم ، وأجبناه عنه بجهد (٩) ما كنّا لنقنع
__________________
(١) النيل : نهر مصر حماها الله. والنيل (بالفتح) : العطاء.
(٢) هو أبو بكر يحيى بن عبد الواحد الحفصي. وانظر الحاشية رقم (٢) ص ٩.
(٣) يشير إلى قصيدة ابن الأبار التي مطلعها : «أدرك بخيلك خيل الله أندلسا». وانظر ص ٩.
(٤) يريد شرق الأندلس.
(٥) يشير إلى المثل : «اتسع الخرق على الراقع» الذي يقال عند استفحال الأمر ، والعجز عن إصلاحه.
تاج (خرق).
(٦) الردينية : منسوبة إلى ردينة ، وهي امرأة السمهري ؛ وكانا يقومان الرماح والقنا بخط هجر ؛ فيقال : الرماح الردينية ، والخطية ؛ نسبة إلى الشخص تارة ، وإلى الموضع أخرى.
(٧) البنية : الكعبة ، وكانت تسمى بنية إبراهيم ؛ وكثر قسمهم بها فيقولون : «لا ورب هذه البنية».
(٨) اللام : جمع لأمة ؛ وهي الدرع. والنصل : حديدة السهم والرمح. وانظر اللسان (نصل).
(٩) الجهد (بالفتح) : المشقة.