من جناه (١) المهتصر ، (٢) بالمقتضب المختصر ، ولا لنقابل طول طوله (٣) بالقصر ، لولا طروّ الحصر. (٤)
وقد كان بين الأسلاف ـ رحمة الله عليهم ورضوانه ـ ودّ أبرمت من أجل الله معاقده ، (٥) ووثرت للخلوص ، (٦) الجليّ النصوص ، مضاجعه القارّة ومراقده ، وتعاهد بالجميل يوجع لفقده فاقده ، أبى الله إلا أن يكون لكم الفضل في تجديده ، والعطف بتوكيده ، فنحن الآن لا ندري أيّ مكارمكم نذكر ، أو أيّ فواضلكم نشرح أو نشكر ، أمفاتحتكم التي هي في الحقيقة عندنا فتح ، أم هديتكم ، وفي وصفها للأقلام سبح ، (٧) ولعدوّ الإسلام بحكمة حكمتها كبح ، (٨) إنّما نكل الشّكر لمن يوفّي جزاء الأعمال البرّة ، ولا يبخس مثقال الذّرّة ولا أدنى من مثقال الذّرّة ، ذي الرحمة الثّرّة ، (٩) والألطاف المتّصلة المستمرّة ، لا إله إلا هو.
وإن تشوّفتم إلى الأحوال الراهنة ، وأسباب الكفر الواهية ـ بقدرة الله ـ الواهنة ، (١٠) فنحن نطرفكم بطرفها ، (١١) ونطلعكم على سبيل الإجمال بطرفها ، وهو أننا لما أعادنا من التّمحيص ، إلى مثابة التّخصيص ، من بعد المرام العويص ، كحلنا بتوفيق الله بصر البصيرة ، ووقفنا على سبيله مساعي الحياة القصيرة ، ورأينا
__________________
(١) الجنى : ما يجتنى من الشجر وغيره.
(٢) المهتصر : الممال ؛ يقال هصرت الغصن : إذا أملته إليك.
(٣) الطول (بالضم) : خلاف العرض. والطّول (بالفتح) : النعمة والفضل.
(٤) الحصر : العىّ ، وعدم القدرة على الإبانة.
(٥) المعاقد : مواضع العقد.
(٦) وثر الفراش (بالضم) : وطؤ ولان.
(٧) السبح : الجرى.
(٨) كبح الفرس : جذبه إليه باللجام يمنعه عن الجري.
(٩) الرحمة الثرة : الغزيرة الكثيرة.
(١٠) وهي ، ووهن : ضعف.
(١١) جمع طرفة (بالضم) ؛ وهي أن يعطي المرء ما لم يملكه فيعجبه.