بالرّصافة (١) والجسر (٢) دار السّلام ، (٣) وما عسى أن تطنب في وصفه ألسنة الأقلام أو تعبّر به عن ذلك الكمال فنون الكلام.
فأعملنا إليها السّرى والسّير ، وقدنا إليها الخيل قد عقد الله في نواصيها الخير. (٤) ولما وقفنا بظاهرها المبهت المعجب ، واصطففنا بخارجها المنبت المنجب ، والقلوب تلتمس الإعانة من منعم مجزل ، وتستنزل مدد الملائكة من منجد منزل ، والركائب واقفة من خلفنا بمعزل ، تتناشد في معاهد الإسلام :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل (٥)
برز من حاميتها المحاميه ، ووقود النار الحاميه ، وبقية السّيف الوافرة على الحصاد النّامية ، قطع الغمائم الهامية ، وأمواج البحور الطامية ، واستجنّت (٦) بظلال أبطال المجال ، أعداد الرجال ، النّاشبة (٧) والرامية ، وتصدّى للنّزال ، من صناديدها (٨) الصهب السبال ، أمثال الهضاب الراسية ، تجنّها (٩) جنن (١٠) السوابغ الكاسية ،
__________________
(١) الرصافة : قصر بناه عبد الرحمن الداخل ، في الشمال الغربي لقرطبة ، واتخذه لسكناه ، نقل إليه من الشام كثيرا من أشجار الفاكهة والزهور ؛ وسماه باسم رصافة جده هشام بن عبد الملك. نفح الطيب بولاق ١ / ٢٢٠ وما بعدها. معجم البلدان ٤ / ٢٥٧.
(٢) يريد جسر قرطبة وقد مرّ.
(٣) يريد بغداد ؛ وسماها مدينة السلام أبو جعفر المنصور ، وكان ذلك سنة ١٤٦ ه انظر تاريخ بغداد ١ / ٦٦ ـ ٦٧ ، شريشي ١ / ٢١٥.
(٤) إشارة إلى حديث البخاري : «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة». الجمع الصحيح ٤ / ١٨٧ طبع الآستانة.
(٥) مطلع المعلقة المشهورة لامرئ القيس.
(٦) استجنت : استترت.
(٧) الناشبة : قوم يرمون بالنشاب ؛ وهي السهام.
(٨) الصنديد : السيد الشجاع. والجمع صناديد.
(٩) تجنها : تسترها.
(١٠) الجنن : جمع جنة ، وهي السترة.