بتوزر ، (١) وجعل نفطة ، (٢) ونفزاوة (٣) من أعماله ، وأنزل ابنه أبا بكر بقفصة ، (٤) وعاد إلى تونس مظفّرا ، ماهدا ، فأقبل عليّ ، واستدناني لمجالسته ، والنّجيّ في خلوته ، فغصّ بطانته بذلك ، وأفاضوا في السّعايات عند السّلطان فلم تنجح ، وكانوا يعكفون على إمام الجامع ، وشيخ الفتيا ، محمد بن عرفة ، (٥) وكانت في قلبه نكتة من الغيرة من لدن اجتماعنا في المربى بمجالس الشيوخ ، فكثيرا ما كان يظهر شفوفي عليه ، وإن كان أسنّ منّي ، (٦) فاسودّت تلك النّكتة في قلبه ، ولم تفارقه. ولمّا قدمت تونس انثال عليّ طلبة العلم من أصحابه وسواهم ، يطلبون الإفادة والاشتغال ، وأسعفتهم بذلك ، فعظم عليه. وكان يسرّ التّنفير إلى الكثير منهم فلم يقبلوا ، واشتدّت غيرته ، ووافق ذلك اجتماع البطانة إليه ، فاتّفقوا على شأنهم في التأليب عليّ ، والسعاية بي ، والسّلطان خلال ذلك معرض عنهم في
__________________
(١) توزرTozeur) عرضها الشمالي ٣٤ ، وطولها الشرقي ٨ ـ ١٠) ؛ ضبطها ابن خلدون بضم التاء ، (وفي ياقوت بفتحها) ، وسكون الواو بعدها زاي مفتوحة : مدينة واقعة على الحافة الشمالية لشط الجريدChott El ـ Djerid ، بينها وبين نفطة عشرة فراسخ (مرحلة). وانظر ياقوت ٢ / ٤٢٨ ، ٨ / ٣٠٤.
(٢) نفطة ، بفتح النون ، وسكون الفاء بعدها طاء مفتوحة ، ثم هاء تأنيث : مدينة من مدن بلاد الجريد بجنوب تونس ؛ تبعد عن توزر بعشرة فراسخ. وانظر ياقوت ٨ / ٣٠٤.
(٣) نفزاوة. ضبطها ابن خلدون بفتح النون (وفي ياقوت بكسرها) ، ويتفقان على تسكين الفاء ، وبينها وبين نفطة مرحلة واحدة. وانظر ياقوت ٨ / ٣٠٤.
(٤) قفصةGafsa) عرضها الشمالي ٣٤ ـ ٢٢ ، وطولها الشرقي ٨ ـ ٢٩) : مدينة من مدن الجريد في الشمال الشرقي لتوزر ، وتبعد عن نفطة مرحلتين. وانظر ياقوت ٨ / ٣٠٤.
(٥) أبو عبد الله محمد بن محمد بن عرفة الورغمي التونسي (٧١٦ ـ ٨٠٣). يتبوّأ المكانة العالية بين علماء المالكية ؛ درس بالزيتونة ، وأمّ بها خمسين عاما. دخل مصر حاجّا سنة ٧٩٢ ه ، وأجاز ابن حجر العسقلاني ؛ وله تآليف. ترجمته في الضوء اللامع ٩ / ٢٤٠ ـ ٢٤٢ ، الديباج ص ٣٣٧ ، نيل الابتهاج ص ٢٧٤ ، طبقات القراء ٢ / ٢٤٣.
(٦) ولد ابن عرفة قبل ابن خلدون بست عشرة سنة حيث كانت ولادته عام ٧١٦ ، وولادة ابن خلدون عام ٧٣٢.