ذلك ، وقد كلّفني بالإكباب على تأليف هذا الكتاب لتشوّفه إلى المعارف والأخبار ، واقتناء الفضائل ، فأكملت منه أخبار البربر ، وزناته. وكتبت من أخبار الدّولتين وما قبل الإسلام ما وصل إليّ منها ، وأكملت منه نسخة رفعتها إلى خزانته ، وكان ممّا يغرون به السّلطان عليّ ، قعودي عن امتداحه ، فإنّي كنت قد أهملت الشّعر وانتحاله جملة ، وتفرّغت للعلم فقط ، (١) فكانوا يقولون له إنّما ترك ذلك استهانة بسلطانك ، لكثرة امتداحه للملوك قبلك ، وتنسّمت ذلك عنهم من جهة بعض الصّديق من بطانتهم ، فلمّا رفعت له الكتاب ، وتوّجته باسمه ، أنشدته ذلك اليوم ، هذه القصيدة أمتدحه ، وأذكر سيره وفتوحاته ، وأعتذر عن انتحال الشّعر ، وأستعطفه بهدية الكتاب إليه ، وهي هذه :
هل غير بابك للغريب مؤمّل |
|
أو عن جنابك للأماني معدل |
هي همة بعثت إليك على النّوى |
|
عزما كما شحذ الحسام الصّيقل (٢) |
متبوّأ الدّنيا ومنتجع المنى |
|
والغيث حيث العارض المتهلّل |
حيث القصور الزّاهرات منيفة |
|
تعنى بها زهر النجوم وتحفل |
حيث الخيام البيض يرفع للعلا |
|
والمكرمات طرافها (٣) المتهدّل |
__________________
(١) استعمل ابن خلدون «قط» في الإثبات ، وهو استعمال جائز ، وردت به أحاديث صحيحة. وانظر تاج العروس «قط» ، شرح درة الغواص ص ٢٩ ـ ٣١.
(٢) الصيقل (كحيدر) : شحاذ السيوف ، وجلّاؤها.
(٣) الطراف : بيت من أدم ؛ والطراف من الخباء : ما رفعت من نواحيه لتنظر إلى خارج.