المعمور ، وكثرة عوالمه ، وما يرتفع من الخصومات في جوانبه ، وكبير جماعتهم قاضي الشافعية ، لعموم ولايته في الأعمال شرقا وغربا ، وبالصّعيد (١) والفيوم ، (٢) واستقلاله بالنّظر في أموال الأيتام ، والوصايا ، ولقد يقال بأن مباشرة السّلطا قديما بالولاية إنّما كانت تكون له.
فلمّا عزل هذا القاضي المالكي سنة ستّ وثمانين ، اختصّني السّلطان بهذه الولاية ، تأهيلا لمكاني ، وتنويها بذكري ، وشافهته بالتّفادي من ذلك ، فأبى إلا إمضاءه ، وخلع عليّ بإيوانه ، وبعث من كبار الخاصّة من أقعدني بمجلس الحكم (٣) بالمدرسة الصّالحية (٤) بين القصرين ، فقمت بما دفع إليّ من ذلك المقام المحمود ، ووفّيت جهدي بما أمّنني عليه من أحكام الله ، لا تأخذني في الحقّ لومة ، ولا يزعني عنه جاه ولا سطوة ، مسوّيا في ذلك بين الخصمين ، آخذا بحقّ الضعيف من
__________________
(١) كان القدماء يعتبرون مبدأ الصعيد الشمالي من قرب القاهرة ، ويمتد على ضفتي الوادي جنوبا حتى يصل إلى أسوان الذي كان عندهم نهاية الصعيد الجنوبية ؛ وفيما بين أسوان ، وإخميم ، كان الصعيد الأعلى ؛ ومن إخميم إلى مدينة البهنسا الواقعة على الضفة الغربية لوادي النيل ، كان يسمى الصعيد الأوسط ؛ أما الصعيد الأدنى ، فكانت بدايته البهنسا ، ونهايته في الشمال ، قرب الفسطاط.
وانظر ياقوت ٥ / ٣٦٠.
(٢) تقع الفيوم ElFayum) عرضها الشمالي ٥ ـ ٢٩ ، وطولها الشرقي ٣٠ ـ ٣٠) المدينة المعروفة ، في الجنوب الشرقي لبحيرة قارون ، في الغرب من وادي النيل.
(٣) في السلوك (نسخة الفاتح ورقة ١٢٠ ب) :
«وفي يوم الاثنين تاسع عشره (جمادي الثانية) ، استدعى شيخنا أبو زيد عبد الرحمن ابن خلدون إلى القلعة ، وفوض إليه السّلطان قضاء المالكية ، وخلع عليه ، ولقب «ولي الدين» ، واستقر قاضي القضاة عوضا عن جمال الدين عبد الرحمن بن خير ؛ وذلك بسفارة الأمير الطنبغا الجوباني أمير مجلس ، وقرئ تقليده في المدرسة الناصرية بين القصرين على العادة ؛ وتكلّم على قوله تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ ، وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ ...) الآية ٧٢ ، سورة الأحزاب.
(٤) نسبة إلى بانيها الملك الصالح نجم الدين أيوب. انظر الحديث عنها في الخطط للمقريزي ٤ / ٢٠٩ طبع مصر سنة ١٣٢٦.