ذلك الضرّر في الأوقاف ، وطرق الغرر (١) في العقود والأملاك.
فعاملت الله في حسم ذلك بما آسفهم عليّ وأحقدهم ، ثم التفتّ إلى الفتيا بالمذهب ، وكان الحكّام منهم على جانب من الخبرة ، لكثرة معارضتهم ، وتلقينهم الخصوم ، وفتياهم بعد نفوذ الحكم ، وإذا فيهم أصاغر ، بيناهم يتشبّثون بأذيال الطّلب والعدالة ولا يكادون ؛ إذا بهم طفروا إلى مراتب الفتيا والتّدريس ، فاقتعدوها ، وتناولوها بالجزاف ، واحتازوها من غير مثرّب (٢) ولا منتقد للأهلية ولا مرشّح ، إذ الكثرة فيهم بالغة ، ومن كثرة السّاكن مشتقّة ، وقلم الفتيا في هذا المصر طلق ، وعنانها مرسل ، يتجاذب كلّ الخصوم منه رسنا ، ويتناول من حافته شقّا ، (٣) يروم به الفلج (٤) على خصمه ، ويستظهر به لإرغامه ، فيعطيه المفتي من ذلك ملء رضاه ، وكفاء أمنيته ، متتبّعا إيّاه في شعاب الخلاف ، فتتعارض الفتاوى وتتناقض ، ويعظم الشّغب إن وقعت بعد نفوذ الحكم ، والخلاف في المذاهب كثير ، والإنصاف متعذّر ، وأهلية المفتي أو شهرة الفتيا ليس تمييزها للعامّي ، فلا يكاد هذا المدد ينحسر ، (٥) ولا الشغب ينقطع.
فصدعت في ذلك بالحقّ ، وكبحت أعنّة أهل الهوى والجهل ، ورددتهم على أعقابهم. وكان فيهم ملتقطون سقطوا من المغرب ، يشعوذون بمفترق من اصطلاحات العلوم هنا وهناك ، لا ينتمون إلى شيخ مشهور ، ولا يعرف لهم كتاب في فن ، قد اتخذوا الناس هزؤا ، وعقدوا المجالس مثلبة للأعراض ، ومأبنة (٦) للحرم ، فأرغمهم ذلك منّي ، وملأهم حسدا وحقدا عليّ ، وخلوا إلى أهل جلدتهم من سكّان الزّوايا المنتحلين للعبادة ، يشترون بها الجاه ليجيروا به على الله ، وربّما اضطرّ أهل الحقوق
__________________
(١) الغرر : الخطر.
(٢) المثرب : اللائم.
(٣) الشق (بالكسر) : الجانب.
(٤) الفلج : الظفر والفوز ، والاسم بالضم.
(٥) ينحسر : ينقط.
(٦) مأبنة : مكانا للاتهام بالشر.