المحمل ، ورافقتهم من هنالك إلى مكة ، (١) ودخلتها ثاني ذي الحجة ، فقضيت الفريضة في هذه السنة ، ثم عدت إلى الينبع ، فأقمت به خمسين ليلة حتى تهيّأ لنا ركوب البحر ، ثم سافرنا إلى أن قاربنا مرسى الطور ، فاعترضتنا الرّياح ، فما وسعنا إلا قطع البحر إلى جانبه الغربي ، ونزلنا بساحل القصير ، (٢) ثم بذرقنا (٣) مع أعراب تلك الناحية إلى مدينة قوص (٤) قاعدة الصّعيد ، فأرحنا بها أيّاما ، ثم ركبنا في بحر النيل إلى مصر ، فوصلنا إليها لشهر من سفرنا ، ودخلتها في جمادى سنة تسعين ، وقضيت حقّ السّلطان في لقائه ، وإعلامه بما اجتهدت فيه من الدعاء له ، فتقبّل ذلك منّي بقبول حسن ، وأقمت فيما عهدت من رعايته وظلّ إحسانه. وكنت لما نزلت بالينبع ، لقيت بها الفقيه الأديب المتقن ، أبا القاسم بن محمد ابن شيخ الجماعة ، وفارس الأدباء ، ومنفّق سوق البلاغة ، أبي إسحق إبراهيم الساحلي المعروف جدّه بالطويجن ، (٥) وقد قدم حاجّا ، وفي صحبته كتاب رسالة من صاحبنا الوزير الكبير العالم ، كاتب سرّ السّلطان ابن الأحمر صاحب غرناطة ، الحظيّ لديه ، أبي عبد الله بن زمرك ، خاطبني فيه بنظم ونثر يتشوّق ، ويذكّر بعهود الصّحبة نصّه :
__________________
(١) مكة : Mecca) عرضها الشمال ٢١ ـ ١٤ ، وطولها الشرقي ٤٠ ـ ١٤) قبلة المسلمين ، أم القرى ، وبيت الله الحرام. تحدث عنها ياقوت ٨ / ١٣٣ ـ ١٤٣.
(٢) القصيرKossir) عرضها الشمالي ٢٦ ـ ٥ ، وطولها الشرقي ٣٤ ـ ١٦) بلفظ تصغير قصر : مرفأ على الساحل الغربي للبحر الأحمر ، تؤمه السفن التجارية من الجزيرة العربية واليمن ، بينه وبين قوص قصبة الصعيد خمسة أيام. وانظر ياقوت ٧ / ١١٥.
(٣) البذرقة (بالدال المهملة ، وبالمعجمة أيضا) : الخفارة.
(٤) قوص Kus) عرضها الشمالي ٢٥ ـ ٥٥ ، وطولها ٢٣ ـ ٤٩) : مدينة واسعة ؛ كانت قصبة صعيد مصر ، وكان أهلها أرباب ثروة واسعة ، لأنها كانت محط التجار القادمين من عدن ؛ وأكثر تجار عدن من مدينة قوص. وانظر ياقوت ٧ / ١٨٣.
(٥) الطويجن ، بضم الطاء ، وفتح الواو ، وبسكون التحتية المثناة ، وكسر الجيم هكذا كان يضبط اسمه بخطه ؛ وفي «نثير الجمان» ، و «نفح الطيب» : أنه بفتح الجيم.