القلاع والحصون من أيدي الفرنج الذين ملكوها بالسواحل ، وكان قليل العصابة ، إنّما كان عشيره من الكرد يعرفون ببني هذان ، (١) وهم قليلون ، وإنّما كثر منهم جماعة المسلمين ، بهمّة الجهاد الذي كان صلاح الدين يدعو إليه ، فعظمت عصابته بالمسلمين ، وأسمع داعيه ، ونصر الله الدين على يده. وانتزع السواحل كلّها من أيدي نصارى الفرنج ، حتى مسجد بيت المقدس ، فإنّهم كانوا ملكوه وأفحشوا فيه بالقتل والسبي ، فأذهب الله هذه الوصمة على يد صلاح الدين ، وانقسم ملك بني أيوب بعده بين ولده وولد أخيه. واستفحل أمرهم ، واقتسموا مدن الشام ، ومصر بينهم ، إلى أن جاء آخرهم الصالح نجم الدين أيوب (٢) بن الكامل (٣) محمد بن العادل (٤) أبي بكر أخي صلاح الدين ، وأراد الاستكثار من العصابة لحماية الدولة ، وإقامة رسوم الملك ، وأن ذلك يحصل باتخاذ المماليك ، والإكثار منهم ، كما كان آخرا في الدولة العباسية ببغداد ، وأخذ التجار في جلبهم إليه ، فاشترى منهم أعدادا ، وأقام لتربيتهم أساتيذ معلّمين لحرفة الجندية ، من الثقافة والرّمي ، بعد تعليم الآداب الدينية والخلقية إلى أن اجتمع له منهم عدد جمّ يناهز الألف ، وكان مقيما بأحواز ذمياط (٥) في حماية البلاد من طوارق الفرنج المتغلّبين على حصنها ذمياط.
__________________
(١) بفتح الهاء ، والذال المعجمة ، وبعدها ألف ، ثم نون ؛ وهي قبيلة كبيرة من قبائل الأكراد. وفيات ٢ / ٤٩٥.
(٢) أخباره مفصلة في «العبر» ٥ / ٣٥٥ ـ ٣٦٠.
(٣) انظر الخطط للمقريزي ٢ / ٢٣٥ بولاق.
(٤) انظر الخطط ٢ / ٢٣٦ بولاق.
(٥) Damietta) ، عرضها الشمالي ٣١ ـ ٢٢ ، وطولها الشرقي ٣١ ـ ١٥) ، وقد ضبطها ابن خلدون بخطه بالحركات ، بكسر الذال المعجمة ؛ وقد حكى الإعجام الزبيدي في «تاج العروس» ، والسمعاني في «الأنساب» عن أبي محمد بن أبي حبيب الأندلسي ؛ قال السمعاني معقبا : «وما عرفناه إلا بالدال المهملة». ويقول العبدري في رحلته (٧١ ب مخطوطة تيمور) : إن أكثر الناس يعجمها ، وقد سأل شيخه الشرف الدمياطي عن ذلك ، فقال إن الإعجام خطأ ، وقد أخطأ الرشاطي حيث وضعها في «أنسابه» في الذال المعجمة. وانظر ياقوت ٤ / ٨٤ ـ ٨٨ ، تاج العروس (دمط ، ذمط) ، أنساب السمعاني ٢٢٩ ظ.