وكان أبوه قد اتخذ لنزله هنالك قلعة سمّاها المنصورة ، (١) وبها توفي رحمهالله ، فكان نجم الدين نازلا بها في مدافعة ساكني ذمياط من الفرنج ، فأصابه هنالك حدث الموت ، وكان ابنه المعظّم تورنشاه نائبا في حصن كيفا (٢) من ديار بكر وراء الفرات ، فاجتمع الجند على بيعته ، وبعثوا عنه ، وانتظروا ، وتفطّن الفرنج لشأنهم ، فهجموا عليهم ، اقتتلوا فنصر الله المسلمين ، وأسر ملك الفرنج ريد إفرنس ، فبعثوا به إلى مصر ، وحبس بدار لقمان ، إلى أن فادوه بذمياط ، كما هو مذكور في أخبار بني أيوب. (٣) ونصبوا ـ للملك ، ولهذا اللقاء ـ زوجة الصالح أيّوب واسمها شجر الدّر ، (٤) فكانت تحكم بين الجند ، وتكتب على المراسيم ، (٥) وركبت يوم لقاء الفرنج ، تحت الصناجق ، (٦) والجند محدقون بها ، حتى أعزّ الله دينه ، وأتمّ نصره. ثم وصل تورنشاه المعظّم ، فأقاموه في خطّة الملك مكان أبيه الصالح أيّوب ، ووصل
__________________
(١) Mansura عرضها الشمالي ٣٠ ـ ٥٩ ، وطولها الشرقي ١١ ـ ٢٠) ، بلدة أنشأها الملك الكامل بن العادل بن أيوب بين دمياط والقاهرة ، ورابط فيها في وجه الإفرنج لما ملكوا دمياط وذلك في سنة ٦١٦ ، ولم يزل بها حتى استنقذ دمياط في رجب سنة ٦١٨. ياقوت ٨ / ١٧٨.
(٢) حصن كيفا : قلعة عظيمة مشرفة على دجلة ، بين آمد وجزيرة ابن عمر من ديار بكر. ياقوت ٣ / ٢٨٦. وانظر مفصّل أخبار تورنشاه في العبر ٥ / ٣٦٠ وتاريخ ابن الوردي ٢ / ١٧٣. والسلوك ص ٣٥١ وما بعدها.
(٣) تفصيل هذه الأحداث مذكور في العبر ٥ / ٣٦٠ ـ ٣٦١. وانظر تاريخ ابن الوردي ٢ / ١٨٢ ـ ١٨٣.
(٤) بعضهم يكتبها : «شجرة الدر» ، وكان يخطب باسمها على المنابر ، ونقشت على «السكة» ، وكان نقشها : «السكة المستعصمية الصالحية ، ملكة المسلمين ، والدة المنصور خليل» ، وخليل هذا ابنها من الملك الصالح توفي في حياة أبيه ، وكانت تكنى به. وانظر العبر ٥ / ٣٦١ ، ٣٧٣ ، الخطط ٢ / ٢٣٧ بولاق ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ١٨٣.
(٥) يعني اتخذت لها «علامة» تختم بها على المراسيم ، وكانت علامتها ـ فيما يرى ابن خلدون :
«أم خليل» ، أما ابن الوردي فيقول : «والدة خليل». العبر ٥ / ٣٦١ ، ٣٧٣ ، ابن الوردي ٢ / ١٨٣.
(٦) جمع سنجق ، وهو في الأصل الرمح ، وكانت تجعل في رأسه الراية ، ومن ثم أصبح معناه : الراية مباشرة. صبح الأعشى ٥ / ٤٥٨.