أنّه داخله شيطان من شياطين الجند ، يعرف بقرط (١) في قتل السّلطان يوم ركوبه إلى الميدان قبل ملكه بسنين ، فلما صحّ الخبر أمر بقتله ، وحبس الخليفة سبعا إلى تلك السنة ، فأطلقه عند هذا الواقع ، ولمّا وصل (....) (٢) إلى قيطا اجتمعت العساكر ، ووقف السّلطان أمام القلعة يومه حتى غشيه الليل ، ثم دخل إلى بيته وخرج متنكّرا ، وتسرّب في غيابات المدينة ، وباكر الناصري وأصحابه القلعة ، وأمير حاج ابن الأشرف ، فأعادوه إلى التخت ولقّبوه المنصور ، وبعثوا عن الأمراء المحبوسين بالإسكندرية ، وكان فيهم ألطنبغا الجوباني الذي كان أمير مجلس ، (٣) وقبض السّلطان الظاهر عليه ، وحبسه أياما ، ثم أطلقه وبعثه نائبا على دمشق ، ثم ارتفعت عنه الأقوال بأنه يروم الانتقاض ، وداخل الناصريّ نائب حلب في ذلك ، وأكّد ذلك عند السّلطان ما كان بينه وبين الناصري من المصافاة والمخالصة ، فبعث عنه ؛ ولما جاء حبسه بالإسكندرية ، فلمّا ملك الناصريّ مصر ، وأجلس أمير حاج ابن الأشرف (٤) على التخت ، بعث عنه ليستعين به على أمره ؛ وارتابوا لغيبة الظاهر ، وبالغوا في البحث عنه ، فاستدعى الجوباني واستنام له ، واستحلفه على الأمان ، فحلف له ، وجاء به إلى القلعة بعد أن ساور صاحبه الناصريّ في المضي إليه وتأمينه ، وحبسوه في بعض قصور الملك ، وتشاوروا في أمره ، فأشار أمراء اليلبغاوية
__________________
(١) قرط بن عمر من التركمان المستخدمين في الدولة ، وكان له إقدام وشجاعة وصل بهما إلى مرادفة الأمراء في مذاهبهم. له أخبار ذكرها ابن خلدون في «العبر» ٥ / ٤٧٤. قتل سنة ٧٨٥.
(٢) أظن أن كلمة أضاعتها شفرة المسفّر عند تجليد الكتاب ، حيث أن هذه الجمل (من قوله : وفي خلال ذلك س ٤ ، إلى قوله : اجتمعت العساكر س ٨) ، ملحقة بالهامش بخط ابن خلدون في نسخة طب.
(٣) معناه صاحب الشورى في الدولة ، وهو ثاني الأتابك ، وتلو رتبته. العبر ٥ / ٤٧٧ ، وانظر صبح الأعشى ٥ / ٤٥٥.
(٤) الملك الصالح حاجي ابن الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون ، يلقب بالمنصور (غيّر لقبه من الصالح إلى المنصور) ، وخلع نفسه يوم أن عاد برقوق إلى الملك. المنهل الصافي ١ / ١٧٥ ب (نسخة نور عثمانية).