كلّهم بقتله ، وبالغ في ذلك منطاش ، ووصل نعير أمير بني مهنّا (١) بالشام للصّحابة بينه وبين الناصري ، فحضّهم على قتله ، ومنع الجوبانيّ من ذلك وفاء بيمينه ، فغلت صدورهم منه ، واعتزموا على بعثه إلى الكرك ، ودافعوا منطاشا بأنّهم يبعثونه إلى الإسكندرية ، فيعترضه عند البحر بما شاء من رأيه ، ووثق بذلك ، فقعد له عند المرساة ، وخالفوا به الطريق إلى الكرك ، وولّوا عليها نائبا وأوصوه به ، فأخفق مسعى منطاش ، ودبّر في اغتيال الدولة ، وتمارض في بيته ، وجاءه الجوباني عائذا فقبض عليه ، وحبسه بالإسكندرية ، وركب منتقضا ، ووقف عند مدرسة الناصر حسن يحاصر الناصري بالقلعة ، واستحاش هو بأمراء اليلبغاوية ، فداهنوا في إجابته ، ووقفوا بالرميلة أمام القلعة ، ولم يزل ذلك بينهم أياما حتى انفضّ جمع الناصري ، وخرج هاربا ، فاعترضه أصحاب الطريق بفارسكو ، وردّوه ، فحبسه منطاش بالإسكندرية مع صاحبه ، واستقلّ بأمر الملك ، وبعث إلى الكرك بقتل الظاهر ، فامتنع النائب ، واعتذر بوقوفه على خطّ السّلطان والخليفة والقضاة ، وبثّ الظاهر عطاءه في عامّة أهل الكرك ، فانتدبت طائفة منهم لقتل البريدي الذي جاء في ذلك ، فقتلوه ، وأخرجوا الظاهر من محبسه فأصحروا ، واستألف أفاريق من العرب ، واتصل به بعض مماليكه ، وسار إلى الشام ، واعترضه ابن باكيش (٢) نائب غزة ، (٣) فأوقع به الظاهر ، وسار إلى دمشق ، وأخرج منطاش العساكر مع سلطانه أمير حاج ، وسار على التعبئة ليمانع الظاهر عن دمشق ، وسبقه الظاهر فمنعه جنتمر
__________________
(١) نعير بن محمد بن حيار بن مهنا بن مانع ، لبيته القدم الراسخة في الإمارة ؛ وله ترجمة. في «المنهل» ، فصّل فيها الحديث عن تاريخ بيته.
وفي ظفر برقوق به ، وبمنطاش ، يقول الشيخ زين الدين بن ظاهر :
الملك الظاهر في عزّه |
|
أذلّ من ضل ومن طاشا |
ورد في قبضته طائعا |
|
نعيرا العاصي ومنطاشا |
المنهل ١ / ٢٢٦ ب ، ٢ / ٤٣٦ ، ٤٣٧ (نسخة نور عثمانية).
(٢) الحسن بن باكيش الأمير بدر الدين التركماني ، نائب غزة من قبل منطاش. قتله الظاهر بالقاهرة سنة ٧٩٣ ، وكان مشهورا بالشجاعة. المنهل ١ / ٢٩٤ ب (نسخة نور عثمانية).
(٣) Ghuzzeh عرضها الشمالي ٣١ ـ ٣٢ ، وطولها الشرقي ٣٤ ـ ٣٥) : مدينة بفلسطين قرب الساحل ، بها ولد الإمام الشافعي ، ويروى له فيها شعر. وانظر ياقوت ٦ / ٢٨٩ ـ ٢٩١.