الذّخائر ، وخصوصا الخيل والبغال.
أخبرني الفقيه أبو إسحق الحسناوي ، كاتب الموحّدين بتونس ، أنه عاين تلك الهدية عند مرورها بتونس ، قال : وعددت من صنف البغال الفارهة فيها أربعمائة ، وسكت عما سوى ذلك ، وكان مع هذه الهدية من فقهاء المغرب ، أبو الحسن التّنسيّ كبير أهل الفتيا بتلمسان. ثم كافأ النّاصر عن هذه الهدية بأعلى منها وأحفل (١) مع أميرين من أمراء دولته ، أدركا يوسف بن يعقوب وهو يحاصر تلمسان ، فبعثهما إلى مرّاكش للنّزاهة (٢) في محاسنها ، وأدركه الموت في مغيبهما ، ورجعا من مرّاكش ، فجهزّهما حافده أبو ثابت المالك بعده ، وشيّعهما إلى مصر ، فاعترضتهما قبائل حصين ونهبوهما ، (٣) ودخلا بجاية ، ثم مضيا إلى تونس ، ووصلا من هنالك إلى مصر.
ولما ملك السّلطان أبو الحسن تلمسان ، اقترحت عليه جارية أبيه أبي سعيد ، وكانت لها عليه تربية ، فأرادت الحجّ في أيامه وبعنايته ، فأذن لها في ذلك ، وبعث في خدمتها وليّه عريف بن يحيى من أمراء سويد ، وجماعة من أمرائه وبطانته ، واستصحبوا هدية منه للملك الناصر (٤) احتفل فيها ما شاء ، وانتقى من الخيل العتاق ، والمطايا الفره وقماش الحرير والكتّان ، والصوف ومدبوغ الجلود الناعمة ،
__________________
(١) جاء في الاستقصا : ٢ / ٤١ : «.... وأما الملك الناصر ، فإنه كافأ السّلطان يوسف على هديته ، بأن جمع من طرف بلاد المشرق ما يستغرب جنسه وشكله ، من الثياب والحيوانات ، ونحو ذلك ، مثل الفيل ، والزرافة ونحوها ؛ وأوفد به مع عظماء دولته سنة ٧٠٥».
(٢) استعمال النزاهة ، والنزهة بهذا المعنى مختلف فيه بين اللغويين. وانظر تاج العروس «نزه» ، حيث تجد أقوالهم.
(٣) في الاستقصا : ٢ / ٤١ : «.... ولما انتهوا إلى بلاد بني حسن في سنة ٨٠٧ ، اعترضهم الأعراب بالقفر ، فانتهبوهم ، وخلصوا إلى مصر بجريعة الدقن ، فلم يعاودوا بعدها سفرا ، ولا لفتوا إليه وجها ، وطالما أوفد عليهم ملوك المغرب بعدها من رجال دولتهم من يؤبه له ، ويهادونهم ، ويكافئون ، ولا يزيدون في ذلك كله على الخطاب شيئا».
(٤) ذكر هذه الهدية في العبر أيضا ٥ / ٤١١.