الألسنة. وكان ملوك تونس من الموحّدين ، يتعاهدون ملوك مصر بالهدية في الأوقات.
ولما وصلت إلى مصر ، واتّصلت بالملك الظاهر ، وغمرني بنعمه وكرامته ، كاتبت السّلطان بتونس يومئذ ، وأخبرته بما عند الملك الظّاهر من التّشوّف إلى جياد الخيل ، وخصوصا من المغرب ، لما فيها الشّدّة والصّبر على المتاعب ، وكان يقول لي مثل ذلك ، وأنّ خيل مصر قصّرت بها الرّاحة والتّنعّم ، عن الصّبر على التّعب ، فحضضت السّلطان بتونس على إتحاف الملك الظاهر بما ينتقيه من الجياد الرّائعة ، فبعث له خمسة انتقاها من مراكبه ، وحملها في البحر في السّفين الواصل بأهلي وولدي ، فغرقت بمرسى الإسكندرية ، (١) ونفقت تلك الجياد ، مع ما ضاع في ذلك السّفين ، وكلّ شيء بقدر.
ثم وصل إلينا عام ثلاثة وتسعين شيخ الأعراب : المعقل بالمغرب ، يوسف بن عليّ ابن غانم ، كبير أولاد حسين (٢) ناجيا من سخط السّلطان أبي العبّاس أحمد بن أبي سالم ، من ملوك بني مرين بفاس ، (٣) يروم قضاء فرضه ، ويتوسّل بذلك لرضى سلطانه ، فوجد السّلطان غائبا بالشام في فتنة منطاش ، فعرضته لصاحب المحمل. فلمّا عاد من قضاء فرضه ، وكان السّلطان قد عاد من الشام ، فوصلته به ، وحضر بين يديه ، وشكا بثّه ، فكتب الظاهر فيه شفاعة لسلطان وطنه بالمغرب ، وحمّله مع ذلك هدية إليه من قماش وطيب وقسيّ ، وأوصاه بانتقاء الخيل له من قطر المغرب ، وانصرف ، فقبل سلطانه فيه شفاعة الظّاهر ، وأعاده إلى منزلته. وانتقى
__________________
(١) في العبر ٥ / ٤٧٩ ـ ٤٨٠ ، تفصيل للحديث عن هذه الهدية ، وع مساعي ابن خلدون في توثيق العلاقة بين المغرب ومصر.
(٢) في العبر ٨ / ١٤٨ : «... وكان يوسف بن علي بن غانم أمير أولاد حسين من المعقل ، حجّ سنة ٩٣ ، واتصل بملك مصر من الترك الظاهر برقوق ، وتقدمت إلى السّلطان فيه ، وأخبرته بمحله من قومه ، فأكرم تلقيه ، وحمله ـ بعد قضاء حجه ـ هدية إلى صاحب المغرب» الخ.
(٣) هو أبو العباس أحمد بن أبي سالم ؛ ملك من سنة ٧٧٥ ، وتوفى بمدينة تازا. الاستقصا ٢ / ١٤٠ وما بعدها.