شغّبوا من قبل في شأني ، من أمراء دولته ، وكبار حاشيته ، حتى انقرضوا. واتفقت وفاة قاضي المالكية إذ ذاك ناصر الدين بن التّنسي ، (١) وكنت مقيما بالفيوم لضمّ زرعي هنالك ، فبعث عنّي ، (٢) وقلّدني وظيفة القضاء في منتصف رمضان من سنة إحدى وثمانمائة ، فجريت على السّنن المعروف مني ، من القيام بما يجب للوظيفة شرعا وعادة ، وكان رحمهالله يرضى بما يسمع عنّي في ذلك. ثم أدركته الوفاة في منتصف شوال بعدها ، وأحضر الخليفة والقضاة (٣) والأمراء ، وعهد إلى كبير أبنائه فرج ، ولإخوته من بعده واحدا واحدا ، وأشهدهم على وصيّته بما أراد. وجعل القائم (٤) بأمر ابنه في سلطانه إلى أتابكه أيتمش ، (٥) وقضى رحمة الله عليه ، وترتّبت الأمور من بعده كما عهد لهم ، وكان النائب بالشام يومئذ أمير من
__________________
(١) هو أحمد بن محمد بن عطاء الله بن عوض الزبيري الاسكندري المالكي المشهور بابن التنسي (بفتح التاء والنون وكسر السين المهملة) ، ولد سنة ٧٤٠ ، وتوفي سنة ٨٠١ أحمد بابا ص ٧٤ ـ ٧٥ ، «عقد الجمان» سنة ٨٠١ لوحة ٥٣ (نسخة دار الكتب) ، ابن قاضي شهبة في حوادث سنة ٨٠١ ، «حسن المحاضرة» ١ / ٢١٨.
(٢) في السلوك (٨٠١ ورقة ٢١١ أنسخة الفاتح). «... وفي عاشره (رمضان) خرج البريد باحضار الشيخ ولي الدين عبد الرحمن بن خلدون من قرية الفيوم ليستقر في قضاء المالكية ، وكان قد سعى في ذلك شرف الدين محمد بن الدماميني الاسكندراني بسبعين ألف درهم ، فردّها السّلطان. وفي خامس عشره ، حضر ابن خلدون ، واستقر في قضاء المالكية عوضا عن ناصر الدين بن ابن التنسي بعد موته».
(٣) كان ابن خلدون ممن حضر مجلس هذه الوصية ، وقد ذكر العيني في «عقد الجمان» هذا الحادث وفصله في حوادث سنة ٨٠١ لوحة ٥٨ ـ ٥٩ ، ٧٠.
(٤) كذا بالأصلين ، ولعل الصواب : «القيام بأمر».
(٥) هو أيتمش بن عبد الله الأسندمري البجاسي الجرجاني الأمير سيف الدين ، أتابك العساكر بالديار المصرية ، أصله من مماليك أسندمر البجاسي الجرجاني (نسبة إلى جرجي نائب حلب ، وكان ملك أيتمش قبل أن يحرره الظاهر برقوق) ، قتل أيتمش مع تنم سنة ٨٠٢. «المنهل الصافي» (نسخة نور عثمانية ١ / ١٥١ ب ـ ١٥٣ ا).