خاسكية السّلطان يعرف بتنم ، (١) وسمع بالواقعات بعد السّلطان فغصّ أن لم يكن هو كافل ابن الظّاهر بعده ، ويكون زمام الدّولة بيده. وطفق سماسرة الفتن يغرونه بذلك ، وبينما هم في ذلك إذ وقعت فتنة الأتابك (٢) أيتمش ، وذلك أنّه كان للأتابك دوادار غرّ يتطاول إلى الرئاسة ، ويترفّع على أكابر الدّولة بحظّه من أستاذه ، وما له من الكفالة على السّلطان ، فنقموا حالهم مع هذا الدّوادار ، وما يسومهم به من التّرفّع عليهم ، والتّعرض لإهمال نصائحهم ، فأغروا السّلطان بالخروج عن رقّه الحجر ، وأطاعهم في ذلك ، وأحضر القضاة بمجلسه للدّعوى على الأتابك باستغنائه عن الكافل ، بما علم من قيامه بأمره وحسن تصرفاته. وشهد بذلك في المجلس أمراء أبيه كافّة ، وأهل المراتب والوظائف منهم ، شهادة قبلها القضاة. وأعذروا إلى الأتابك فيهم فلم يدفع في شيء من شهادتهم ، ونفذ الحكم يومئذ برفع الحجر عن السّلطان في تصرفاته وسياسة ملكه ، وانفضّ الجمع ، ونزل الأتابك من الإسطبل إلى بيت سكناه. ثم عاود الكثير من الأمراء نظرهم فيما أتوه من ذلك ، فلم يروه صوابا ، وحملوا الأتابك على نقضه ، والقيام بما جعل له السّلطان من كفالة ابنه في سلطانه. وركب ، وركبوا معه في آخر شهر المولد النّبوي ، وقاتلهم أولياء السّلطان فرج عشيّ يومهم وليلتها ، فهزموهم ، وساروا إلى الشّام مستصرخين بالنائب تنم ، وقد وقر في نفسه ما وقر من قبل ، فبرّ وفادتهم ، وأجاب صريخهم. واعتزموا على المضيّ إلى مصر. وكان السّلطان لما انفضّت جموع الأتابك ، وسار إلى الشام ،
__________________
(١) الأمير سيف الدين تنم بن عبد الله الحسني الظاهري ، اسمه الأصلي تنبك ، وغلب عليه «تنم» ، كان نائب دمشق ، وهو من مماليك الظاهر برقوق ، قتل سنة ٨٠٢ بقلعة دمشق. «المنهل الصافي» (نسخة نور عثمانية ١ / ٢٢٩ ب ـ ٢٤١).
(٢) يطلق «أتابك» في أيام المماليك ، على مقدم العساكر أو القائد العام ، على أنه أبو العساكر والأمراء جميعا. وهو مركب من كلمتين : «أتا» بمعنى «أب» ، و «بك» ومعناها أمير. صبح الأعشى ٤ / ١٨ ، ٦ / ١ ، السلوك ص ١٤٦.
C. Huart, Histoire des Arabes II, ٤١